«غواية السكون الأبدى»
آخر تحديث GMT19:17:04
 عمان اليوم -

«غواية السكون الأبدى»

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - «غواية السكون الأبدى»

عمار علي حسن

يكتب الأستاذ «سعداوى الكافورى» عن عالم «يوسف القعيد» بأسلوب «خيرى شلبى» مع اقتصاد وتكثيف يحكم أديباً خارجاً من إهاب «القصة القصيرة»، حيث أبدع ثلاث مجموعات على فترات زمنية متباعدة نسبياً، إلى مجال الرواية الأكثر رحابة، لينسج خيوط عمله الأول فى هذا النوع الأدبى معطياً إياه عنوان «غواية السكون الأبدى»، بعد أن ألِف هذه التركيبة من العناوين، قوية الدلالة، المسربلة بالغموض، والنازعة إلى التفلسف مثل «شروخ الروح» و«متاهات السراب الجميل» و«إحباطات فضفاضة» حسبما سمى مجموعاته القصصية. ترسم هذه الرواية القصيرة ملامح مسارين من الصراع فى «قرية» بسيطة؛ الأول، وهو الأعرض والأبرز فيها، ذو صبغة اجتماعية بين عائلتى «العيايشة» و«العلايشة»، والثانى سياسى ينتقل على مرحلتين، الأولى بين منتمين لـ«جماعة الإخوان» و«الوفديين» والثانية بين الإخوان وأعضاء «الاتحاد الاشتراكى العربى»، ثم يولد صراع فرعى عابر بين أدعياء التصوف وأعضاء هذا الاتحاد، لكن ليس على الأيديولوجيا إنما على المنافع والمصالح المادية المباشرة، وإن كان هذا يشكل خلفية باهتة طيلة زمن الرواية الذى تراوح بين «معاهدة 1936» لاستقلال مصر عن إنجلترا وهزيمة يونيو 1967. تسرد الرواية الحكاية الاجتماعية الأبرز فى قرية «العتقا» التابعة لـ«الضاهرية» من أعمال «إيتاى البارود» بمحافظة «البحيرة»، لتبدأ بالتشكيل الاجتماعى للقرية التى أسسها التزاوج بين خدم سود لأحد الباشوات، أعتقهم قبيل رحيله ووزع عليهم أرضه، لأنه لم ينجب من يرثها، وبين رجال كانوا يأتون من الصعيد على مراكب تمخر عباب النيل لبيع الأوانى الفخارية، ليمنحهم التوالد المستمر أغلبية كعائلة تحمل اسم «العلايشة» على حساب «العيايشة» ممن انتهى بهم الأمر إلى أن يقودهم آل «السنهورى» الذين ربطتهم علاقة نسب بكبير القرية والأكثر ثراء فيها وهو «فريد»، نجل لواء سابق فى الجيش المصرى. ينتقل الصراع من العنف، حيث تدور معركة بـ«الشوم» بين أولاد «السنهورى» و«العلايشة» إلى «التحايل»، إذ يبدأ المهزومون من «العلايشة» بتوظيف امرأة فاتنة منهم تسمى «غالية» لإيقاع «أمين السنهورى» الطاعن فى السن، فتتزوجه، وتفضح عجزه الجنسى، متهمة ولدى أخته بإذاعة سره، فيتشاجر معهما ليقتله أحدهما، فيُسجن، ويأتى أهل أمين من قرية مجاورة ليحرقا بيت أخته «فاطمة» فتأكلها النار، أما ابن أمين، فيبلّغ عنه شيخ البلد السلطات لهروبه من الجندية فيؤخذ للمشاركة فى حرب 1956، ويستشهد وتحزن زوجته عليه فتلحق به سريعاً، ويتركان ولدين قاصرين، تتمكن «غالية» من أن تتولى الوصاية عليهما، وتتفنن فى تبديد ثروتهما، بتأجير أرضهما إيجاراً دائماً، بعد أن تتزوج رجلاً غريباً أطلق عليه أهل القرية اسم «الغرباوى» وتنقله من عشة على الترعة إلى بيت السنهورى الفخيم. وهذا الرجل تدروش وأشاع الناس عنه كرامات مكذوبة، فسرق الهيبة من شيخ البلد، فطلب من «غالية» أن تتخلص منه، فدست له السم فى الطعام، واتهم فى قتله الولد القاصر الأكبر، الذى تناهى إلى أسماع الناس أنه يخطط لقتله ليخلص بيت السنهورى من عاره. يضغط الكافورى الأحداث بقسوة، ليهدر فرصة رصد تفاصيل كان بوسعها أن تزيد الرواية اتساعاً وعمقاً من دون أن توقعه فى الترهل أو «إشباع السرد»، إذ اضطر ليقفز سريعاً فى الزمان، مما يجعل القارئ يلهث خلفه، لتلاحق الأحداث تارة، ولقدرة الكاتب على صناعة التشويق عبر أحد عشر فصلاً متتابعاً لا يزيد أى منها على عدة صفحات، تارة أخرى. ومع هذا تبقى الرواية حافلة برصد طقوس «العرس» و«العزاء» فى الريف، وتدخل إلى عالم صناعة الأساطير التى يروجها أدعياء التصوف عن أنفسهم، فترسم بعض ملامح «الواقعية السحرية» ببراعة، وعلى التوازى معها تنقل بعض النصوص الرسمية التى كان يدبجها كاتب شكاوى لم يكمل تعليمه الأزهرى لكنه كان مطلعاً على صنوف من الأدب العربى القديم، وكذلك التلغرافات التى كانت ترسل إلى وزيرى الداخلية والزراعة وإلى جمال عبدالناصر نفسه، وبذا تفضح جانباً من القهر السياسى والظلم الاجتماعى. وأكثر ما يميز الكافورى فى سرده المختصر هو قدرته على صناعة لوحات طبيعية بديعة، والتغلغل فى دخائل النفوس البشرية، ونحت تعبيرات جديدة بلا توقف. وأظن أن هذه التراكيب الشاعرية لم يأخذها كاتبها من أى كاتب سابق سواء على سبيل التناص أو التلاص. وأعتقد أن الكافورى، الذى حصل على عدة جوائز أدبية مهمة، قد قطع بـ«غواية السكون الأبدى» تلك الخطوة الأولى الفاصلة بين كتابة القصة القصيرة وكتابة الرواية، مما يجعلنا نتظر منه أعمالاً روائية أخرى مختلفة فى بنيتها وتكوينها وحجمها عن عالم الريف الثرى بالحكايات والأسرار والأنماط الإنسانية واللوحات الطبيعية.

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«غواية السكون الأبدى» «غواية السكون الأبدى»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 18:42 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
 عمان اليوم - أفكار لملابس تناسب شتاء 2025

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 عمان اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 13:39 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 عمان اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab