​رائحة طعام أمي

​رائحة طعام أمي

​رائحة طعام أمي

 عمان اليوم -

​رائحة طعام أمي

بقلم : علي حياصات

قيل إن رشة عطر واحدة كفيلة بإعادتك إلى عالم الذكرى الذي طوته السنين، وقيل كن كالعطر تجذب انتباه من حولك بصمت.

أؤلئك الذين كتبوا أو تناقلوا روعة ورائحة العطر لم يعرفوا يوما تركيبة (الحواجة) المختبئة كالمارد في القمقم في مطبخ أمي الغالية.. لم يعرفوا معنى عبق وبخور الطعام الذي يلامس قلبي كلما طرقت بوابة البيت.

كيف لتلك الأيادي الطاهرة التي لم تدرس في فنادق السوبر ستار أو إتيكيت المقادير أن تنثر أنفاس العطاء في وجبة طرح الله بها البركة والخير.. نتقاسم أجزاء الطعام ويبقى منه للغائب حتى يعودوا من عملهم.

لم يعرفوا معنى أن توزع حصص الطعام ووجبة الغداء بالتساوي وتنثر كما شقائق النعمان في الحقول والمروج، لكل منا حصته فنأخذ ما كتبه الله لنا من يد أمي الغالي الناعمة التي لم تمسها الكريمات ولا واقيات الشمس.. إيمانا منها وخوفا من أن يعشق الطعام لهذه الرائحة فيسيء إلى سمعة الطبيخ، فليست القهوة وحدها عاشقة لرائحة ما حولها، ولكن كل الطعام عاشق ويبوح بأسرار تلك الأيادي التي تصنعه.

المقادير بكمشة اليد.. أو بضم الأصابع.. ليس بملعقة مهزوزة كالذين يمسكونها، ولا أوراق أو أشياء ليس بيننا وبينها ثقة أو سابق معرفة..

فقط الحواجة والفلفل.. ورشة الملح التي تطرد عيد الحسد عن كل بيت بمنظور أمهاتنا اللاتي لم تعرف قلوبهن النفاق حتى في صنع الطعام.

كان الطعام مملوءا ببركة اللمة واجتماع العائلة لا يسكب الطعام إلا باجتماع العائلة، لا يسكب الطعام إلا عند حضور والدي رحمه الله.

وعندما نشعر بالجوع تشغلنا أمي بأن نقف على شباك بيتنا ننتظر والدي اعتقادا منا وببراءة طفولتنا أن الانتظار "بيرجع الغياب" وأن مد البصر مع أفق الطريق يجعل عودة الغائب أسرع.

لم نعرف أننا ونحن أمام النافذة ننشغل بالمارة والناس ولعب الأطفال فننسى الوقت ولا ننتبه إلا عندما يصل والدي.

انزرع في داخلنا أن الطعام تزيد بركته في اللمة.. لم يكن يسمح لنا ونحن صغار أن نأكل من الطنجرة وهي على الغاز فتعلمنا أن نأكل معا.. وبحضور الجميع.

ولما كبرنا أقنعونا بأن من يأكل من الطنجرة سيكون عرسه في الشتوية، فحافظنا على لمة واجتماع الأهل على الطعام.

غادرتنا هذه الأيام.. ولم يبقَ لنا إلا طعام أمي يجمعنا بذكرياته، ولا أعرف إذا وقفت مرة أخرى أمام نافذة منزلنا.. أنتظر الغائب.. هل سيعود؟ أم إننا صحونا من سكرة الطفولة وعرفنا أن الغائب لا يعود ولن يعود، فلم يعد يشغلنا شيء سوى متاعب الحياة.

رحم الله والدي.. وأخي.. وكل غائب 

وربي يطوّل عمرك يا يمه.​

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

​رائحة طعام أمي ​رائحة طعام أمي



GMT 17:05 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيهما الأهم القيادة أم القائد ؟

GMT 11:11 2023 الجمعة ,18 آب / أغسطس

هل للطفل مطلق الحرية ؟

GMT 14:15 2023 الخميس ,20 تموز / يوليو

كلماتك الإيجابية أعظم أدواتك

GMT 14:03 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

صندوق أسرار الزمن المعتّق

GMT 18:16 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

كوني أنت أمام الرجل

GMT 14:49 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

رسالة إلى نساء الوطن العربي

GMT 19:27 2021 الثلاثاء ,09 آذار/ مارس

ليبيّات فبراير والصوت النسائي

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 05:13 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

سيطر اليوم على انفعالاتك وتعاون مع شريك حياتك بهدوء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 04:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تتهرب من تحمل المسؤولية

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 20:52 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 19:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 04:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon