شهادتي لملتقى الرواية العربية 2  3

شهادتي لملتقى الرواية العربية (2 - 3)

شهادتي لملتقى الرواية العربية (2 - 3)

 عمان اليوم -

شهادتي لملتقى الرواية العربية 2  3

عمار علي حسن

ويظن كثيرون أن كتاباتى الأدبية لاحقة على انشغالى بالبحث فى العلوم الإنسانية عامة، والاجتماع السياسى على وجه الخصوص، لكن العكس هو الصحيح، فأول ما نُشر لى كان قصة قصيرة احتلت الصفحة الأخيرة من جريدة «الشعب»، وأول رزق أكسبه من الكتابة كان عن قصة أيضاً، بعد أن فُزت بالمركز الأول فى مسابقة أدبية لجامعة القاهرة سنة 1988، وأول محاولة لنشر كتاب كانت مجموعة قصصية ذهبت بها إلى سلسلة «إشراقات أدبية» التى كانت تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، لكنها لم ترَ النور، وتخليت عنها تماماً، حين كتبت ما هو أفضل، واعتبرتها فرصة للتجريب والتجويد، وأول جائزة أحصل عليها كانت عن قصة.

وإذا كانت الظروف قد دفعت كتابى «الصوفية والسياسة فى مصر» كى يظهر أولاً سنة 1997، فإننى سرعان ما نشرت مجموعتى القصصية الأولى «عرب العطيات» 1998، وبعدها بثلاث سنوات صدرت روايتى الأولى «حكاية شمردل». وبلغ انشغالى بالأدب حداً كبيراً لدرجة أننى طوعت له دراستى للدكتوراه، فجعلتها عن «القيم السياسية فى الرواية العربية»، مدفوعاً بالرغبة فى معرفة الرواية بنصها ونقدها أكثر من معرفة السياسة بتصاريفها وأحوالها.

وبعدها توازى إنتاجى الأدبى مع العلمى، لكنى لم أقصر أبداً فى الأول، بل جعلته هو الأساس، ولو أنه يعيننى على العيش ما كتبت غيره، فحتى الآن لى سبع روايات هى «حكاية شمردل» و«جدران المدى» و«زهر الخريف» و«شجرة العابد» و«سقوط الصمت» و«السلفى» و«جبل الطير»، وشرعت منذ مدة فى كتابة رواية ثامنة، بينما كتبت أربع مجموعات قصصية هى «عرب العطيات» و«أحلام منسية» و«التى هى أحزن» و«حكايات الحب الأول»، وهناك خامسة فى الطريق بعنوان «أخت روحى» عبارة عن أقاصيص قصيرة جداً، وهناك دراسة بعنوان «النص والسلطة والمجتمع: القيم السياسية فى الرواية العربية»، وأخرى نقدية هى «بهجة الحكايا: على خطى نجيب محفوظ».

ورغم ما يُقال عن أننا نعيش «زمن الرواية»، فإننى أتعامل مع فن القصة القصيرة بولع وتقدير، ومهما كان الإقبال على قراءة الرواية أعرض، فإننى لن أكف عن كتابة القصة حتى آخر مشوارى الإبداعى. ومهما قيل إننا نعيش «زمن الرواية»، فهذا لا يعنى أن الألوان الأخرى من الفنون السردية ستنزوى ويطمرها النسيان أو الإهمال، إنما ستعيش تحت كنف الرواية، وقد يأتى يوم وتعاود صعودها من جديد، وأكبر دليل على هذا هو الاتجاه إلى تشجيع «الأقصوصة القصيرة جداً» فى عالم «تويتر» الذى يميل إلى التكثيف والاختزال والذهاب إلى المعنى من أقرب طريق.

فى كل مرة، أبدأ كتابة رواية جديدة يرد على ذهنى شخصان، أبى فى حقله، وسيدة الحافلة. الأب كان يرفع أول ضربة فأس فى أرض قاحلة ممتدة أمامه، لكنه لا ييأس، بل يواصل الضربات، والفأس تقضم التربة فى نهم، فإذا بالبوار يرحل ويزدهى الطمى تحت قدميه وخلفهما، مشتاقاً إلى البذور لينبت الزرع البهى. ضربة وراء ضربة يتغير الحال من الفراغ إلى الامتلاء، ومن العدم إلى الوجود، أو على الأقل من اليباب إلى العمار.

أما السيدة فهى تلك التى رأيتها ذات يوم فى حافلة ركبتها من جامعة القاهرة إلى ميدان التحرير، كنت طالب دراسات عليا أعد أطروحتى للماجستير، وقد جمعت مادتى العلمية حتى وصلت إلى حد التشبّع، لكن أصابنى كسل فقعدت أسابيع عن البدء فى الكتابة، إلى أن رأيتها تجلس على مقعد أمامى، وفى يدها إبرة تريكو وخيوط ذات ألوان أربعة، تدور بينها حتى تصنع عقدة، وتتبعها بأخرى، وهكذا حتى يصبح خطاً منسوجاً بإحكام.

وقفت أتابع دأبها فى شغف عميق، وتعلمت منها أن تراكم القليل يصبح كثيراً، وتتابع الصغير يجعله كبيراً. وقلت لنفسى وأنا واقف أمامها مشدوهاً: حرف وراء حرف، تولد كلمة، وكلمات تصنع جملة، وعبارات تصبح فقرة، وفقرات تصبح صفحة، وصفحات تصير فصلاً، وفصول تتتابع تخلق كتاباً. ومن يومها كلما بدأت فى كتابة رواية تأتينى صورة هذه السيدة، ممتزجة بصورة أبى مع فأسه أمام الأرض اليباب.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

omantoday

GMT 17:26 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مفكرة القرية: الإلمام والاختصاص

GMT 17:25 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيديوهات غبية في هواتفنا الذكية!

GMT 17:24 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 17:23 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 17:22 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

الهجوم الإخواني على مصر هذه الأيام

GMT 17:21 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 17:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عيد الميلاد المجيد... محرابٌ ومَذبح

GMT 17:19 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المسافات الآمنة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهادتي لملتقى الرواية العربية 2  3 شهادتي لملتقى الرواية العربية 2  3



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 16:54 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab