متاع السياسة الغليظ 22

متاع السياسة الغليظ (2-2)

متاع السياسة الغليظ (2-2)

 عمان اليوم -

متاع السياسة الغليظ 22

عمار علي حسن

ويجد الأدب والفن نفسيهما، بوصفهما ظاهرة اجتماعية، متماسين مع العملية السياسية، فهما أقرب إليها من نشاطات إنسانية أخرى. ويصل الأدب أحياناً لدرجة أنه يبدو نوعاً من الممارسة السياسية، ويصبح الأديب رجل سياسة، لكن بطريقته وأدواته الخاصة. وقد لخص نجيب محفوظ هذا الموقف فى عبارة بليغة قال فيها: «ليس هناك حدث فنى، بل حدث سياسى فى ثوب فنى». وليس معنى هذا أن «محفوظ» يقر بلى عنق الأدب لخدمة أيديولوجيات معينة بما يقضى على الجانب الجمالى فيه، لكنه يتحدث عن حضور السياسة كسياق عام، وممارسة اجتماعية فى النص الأدبى، أى يشير إلى تأثير الواقع المعيش على الأدب.

ليس هذا فحسب، بل إن الأدب بمختلف ألوانه يلعب دوراً سياسياً مباشراً، أو غير مباشر فى الحياة السياسية، ففضلاً عن كونه قد يكون أداة فى يد السلطة لتشكيل وعى المجتمع بما يخدم مصالح طبقة أو فئة معينة، أو على النقيض، قد يصبح أداة لمقاومة استبداد السلطة بالحيلة تارة وعنوة تارة أخرى، فهو أيضاً أحد العناصر الرئيسية التى تكون وجدان الأمم، ويساهم مع غيره من أدوات التشكيل الثقافى فى صياغة شخصيتها القومية وبلورة هويتها الحضارية، كما يعتبر أحد المصادر الأساسية لدراسة الشعوب.

ويتداعى إلى الذهن فى هذا المقام، ما ذكره محمد حسنين هيكل، فى مقال مطول له عن حرب البلقان، التى جرت عام 1999، من أن سفير سوريا فى بلجراد خلال فترة الستينات، الدكتور ثابت العتريس، نصحه بقراءة رواية «جسر على نهر إدرينا» لإيفو أندريتش، حين كان «هيكل» يريد أن يعرف الطبيعة السياسية للمجتمع اليوغسلافى، قبل أن يجرى حواراً مع الرئيس جوزيف تيتو، وقال له: «عندما أريد أن أبحث عن الحقائق الأولى فى حياة أى بلد وعن القواعد السياسية القادرة على تفسير توجهاته، فإننى لا أعتمد كتب التاريخ الموثقة، ولا المذكرات السياسية الضافية، وإنما أتوجه مباشرة للأدب.. عندما يكتب المؤرخ والسياسى والدبلوماسى فإنه مضطر، لطبائع الأشياء، إلى أن يظل دائماً وراء الظاهر المرئى والمتحرك، أما حين يكتب الشاعر أو القاص والروائى، فإنه يغوص للأعماق، ويجوس هناك حول الكوامن، التى يمكن أن نسميها روح الأمم، وينفذ إلى الخلايا، التى تحتفظ وحدها بسر الحياة فى عمر وطول بقائها». وقد قرأ «هيكل» بالفعل هذه الرواية، التى استحق عنها كاتبها جائزة نوبل عام 1961، وأكد أنه فهم من خلالها طبيعة المجتمع اليوغسلافى تماماً.

وقد اتجهت بعض الدول لفحص الإنتاج الأدبى لأمم أخرى لتتعرف من خلاله على بعض جوانب تكوينها النفسى والاجتماعى، فالمخابرات الأمريكية كلفت عدداً من أساتذة الأدب اليابانى بجامعات الولايات المتحدة، خلال الحرب العالمية الثانية، بتحليل الأدب اليابانى؛ للوقوف على خصائص الشخصية اليابانية. ولما اشتد التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى السابق اتجه جهاز المخابرات المركزية الأمريكية «سى. آى. إيه» أيضاً إلى العناية بالأدب السوفيتى؛ للتعرف على ملامح المجتمع الروسى. واهتم الإسرائيليون بدراسة الأدب العربى، وراحوا يترجمونه منذ وقت مبكر، فى حين اهتمت بعض مراكز البحوث العربية بدراسة الأدب الصهيونى؛ للغرض نفسه.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تردد أن المخابرات المركزية الأمريكية ساعدت فى الترويج لاتجاه «الحداثة وما بعد الحداثة» فى الإبداع والنقد الأدبى من أجل الحد من مدرسة الواقعية الاشتراكية، التى امتد نفوذها إلى العالم أجمع. وتم تنفيذ ذلك عبر ما يسمى بالمجلس الثقافى الحر، الذى أنشأ مكاتب فى 35 دولة، وقام بتعيين مئات الموظفين، وتمويل عشرات المجلات، وتنظيم مئات المعارض والمؤتمرات، وتخصيص عشرات الجوائز للأدباء الذين سلكوا هذا الاتجاه، ودفع رواتب منتظمة لعدد من النقاد، خاصة اليساريين الذين عارضوا التجربة الشيوعية للاتحاد السوفيتى السابق، ليعدوا دراسات متعمقة ذات طابع نظرى تؤصل لهذه المدرسة الأدبية. ونظر بعض المفكرين العرب للأدب على أنه وسيلة مهمة لبعث الروح القومية، والحفاظ عليها. لذا نجد أن مفكراً قومياً كبيراً، مثل ساطع الحصرى، يطالب الأدباء بأن يتحملوا مسئوليتهم تجاه المجتمع، ويؤمنوا بوحدة الأمة ولا يستسلموا لنوازع الإقليمية أو يندفعوا وراء فكرة العالمية، ويجندوا إنتاجهم الأدبى فى خدمة القومية العربية. وشبه «الحصرى» المنتوجات الأدبية من حيث تأثيرها الاجتماعى ببعض المصنوعات المادية، ورأى أن من الأدب ما يعمل عمل أسلحة الحرب والنضال، ومنه ما يعمل عمل آلات الحرث، ومنه ما يعمل عمل أدوات الزينة، مثل القلائد والأساور، ودعا الأدباء العرب لأن تكون كتاباتهم أسلحة فى مواجهة أعداء الأمة، ومحاريث تساهم فى زيادة إنتاجها وتقدمها.

omantoday

GMT 05:48 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

المُنقضي والمُرتجَى

GMT 05:46 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

«طوفان الأقصى» و«ردع العدوان»: إغلاق النقاش وفتحه...

GMT 05:44 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

عام ليس ككل الأعوام

GMT 05:42 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 05:38 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

البحث عن المشروع العربي!

GMT 05:36 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

2025... العالم بين التوقعات والتنبؤات

GMT 05:30 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النقاش مستمر

GMT 05:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا نملك إلا الأمل في عام 2025

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متاع السياسة الغليظ 22 متاع السياسة الغليظ 22



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

إطلالات كيت ميدلتون أناقة وجاذبية لا تضاهى
 عمان اليوم - إطلالات كيت ميدلتون أناقة وجاذبية لا تضاهى

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الوجهات السياحية لعام 2025 اكتشف مغامرات جديدة حول العالم
 عمان اليوم - أفضل الوجهات السياحية لعام 2025 اكتشف مغامرات جديدة حول العالم

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024
 عمان اليوم - اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

طرق فعالة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab