تكرار الأخطاء في أفغانستان يفضي الى النتائج ذاتها

تكرار الأخطاء في أفغانستان يفضي الى النتائج ذاتها

تكرار الأخطاء في أفغانستان يفضي الى النتائج ذاتها

 عمان اليوم -

تكرار الأخطاء في أفغانستان يفضي الى النتائج ذاتها

بقلم ـ جمال خاشقجي

«من الجنون تكرار الفعل نفسه (في أفغانستان) مرات عدة وتوقع نتائج مختلفة»، هذه مقولة شهيرة للعالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين، وقد أضفت إليها (في أفغانستان)، وللأسف لا تزال الولايات المتحدة تكرر الأفعال نفسها هناك، ولكن هذه المرة يتوقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب نتائج مختلفة كما وعد شعبه الأسبوع الماضي وهو يعلن عن سياسته «المختلفة» لإنهاء أطول الحروب الأميركية.

ولكن بالعودة إلى خطابه وخطته، فلا جديد، فالتورط الأميركي في أفغانستان مستمر، سيرسل مزيداً من القوات، وهنا خطأ أميركاً يتكرر، قال إنه سيركز على محاربة الجماعات الإرهابية، وكأن من سبقه لم يفعل ذلك، حتى قوله إنهم لم يعودوا مهتمين بإعادة بناء الدول ليس بجديد، فسلفه باراك أوباما قال شيئاً كهذا في 2011، ولكن ترامب يضع الجملة نفسها في سياق مختلف، وهو مبدأ أعلنه في حملته الانتخابية بأنه غير معني بنشر الديموقراطية، وترك زعماء البلاد، التي تورطت بتدخلات أميركية شتى، يحكمون بلدانهم كيفما شاؤوا، طالما أنهم سيعيدون لها الاستقرار ويمنعون الإرهابيين من استهداف بلاده.

الخطأ المتكرر الأول، هو إرسال مزيد من القوات، ما يعني وجوداً أميركياً عسكرياً في بلاد الأفغان، وأي دارس لتاريخ تلك البلاد، يدرك أن شعبها لا يحب الغزاة الأجانب، والوجود الأميركي المباشر فيها هو أهم سبب لبقاء «طالبان» وقوتها، ومنه تستمد قدرتها على تجنيد أتباع جدد على رغم خسارتهم الحكم قبل 16 عاماً.

في كلمته التي أعلن فيها استراتيجيته الجديدة في أفغانستان، قال: «حدسي كان الانسحاب، وفي العادة أستجيب لحدسي» وليته فعل، ولكنه أضاف أنه بعدما درس الوضع مع جنرالاته من «الزوايا كافة» انتهى إلى أن الانسحاب سيؤدي إلى فراغ يستفيد منه الإرهابيون. لعل تجربة الانسحاب الأميركي من العراق وصعود «داعش» بعده، وإن لم يكن هو السبب الرئيسي لذلك، قضى على تلك الفكرة الوجيهة التي توافقت مع «حدس» الرئيس، وخصوصاً أنه يحب الظهور كزعيم قوي وليس «كرئيس ضعيف» كما يحلو له وصف الرئيس السابق باراك أوباما.

لا شك في أن الانسحاب سيضعضع الحكومة الأفغانية المنتخبة، وقد تصبح كابول نفسها مهددة، وتندلع حرب أهلية أخرى شرسة، ولكن من الخطأ اعتبار أن «طالبان» بتلك القوة وكأنها الممثل للشعب الأفغاني، فحكومة كابول، حتى لو بدت أنها «عميلة» للأميركيين، فإنها ممثلة لجزء كبير من الأفغان يرفضون «طالبان» لأسباب سياسية أو حتى عرقية، كما أنها ستصبح أكثر جاذبية وصدقية، إذ ستنفي عنها صفة «العميلة». قد تستمر الحرب أشهراً أو سنة، وعلى رغم قسوة الجملة فلنتذكر أن ثلاثة أجيال أفغانية نشأت وتنقلت من حرب إلى حرب. لتكن هذه آخر الحروب الأفغانية، في النهاية لن يستطيع أي طرف أن ينتصر، سيعودون إلى طاولة ما للمفاوضات، يسميها الأفغان «لويا جيرغا»، قد تساهم باكستان ودول إسلامية أخرى في عقدها، وهنا يأتي الخطأ الأميركي الثاني، التخلي عن إعادة بناء الدول. الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الحرب الحالية، وأنفقت فيها نحو تريليون دولار، فلا بأس بمئات الملايين الأخرى لإغراء الأفغان المتفاوضين للاتفاق والسلام. هناك دور مهم لها، وهو منع التدخلات الخارجية السلبية، فالحل لأفغانستان هو الحل نفسه لليمن وسورية وليبيا، والمختصر في جملة «التشارك في السلطة».

لقد فقدت هذه الجمهوريات البائسة مفهوم «الشرعية الدستورية»، التي وفرها ملك كظاهر شاه في أفغانستان، والذي على رغم ضعفه إلا أنه كان يتمتع بشرعية جيدة، انقلب عليه ابن عمه عام 1973 وأعلن أفغانستان جمهورية فتآكل بعض من الشرعية. بعد خمسة أعوام وقع انقلاب آخر، فتآكل مزيد من الشرعية، وصل الشيوعيون إلى الحكم وثارت أقاليم البلاد واحداً تلو آخر، ومعها تسقط كتل هائلة من الشرعية. غزا السوفيات أفغانستان، فلم تبقَ هناك أي شرعية، ظهرت شرعيات عدة، أحزاب، وجماعات مقاتلة، وزعماء قبائل أو عرقيات، بمرور السنين، ترسَّخت شرعيتهم التي جزأت البلاد، وعندما ترك الروس أفغانستان، وسقطت بعده الحكومة الشيوعية، لم تستطع هذه «الشرعيات» المتعددة الاتفاق على آلية للتشارك في السلطة، فاقتتلوا وما زالوا يفعلون.

هنا يأتي الدور الأميركي الذي يريد ترامب التخلي عنه بسياسة «التخلي عن إعادة بناء الدول»، فهذه دول فاشلة، ولا توجد قوى إقليمية قادرة على إعادة بنائها وحدها، هذا إذا اتفقت تلك القوى في ما بينها، فكثيراً ما تتدخل متعاندة فتزيد الطين بلة، فتكون الحاجة ماسة إلى تدخل دولي تحت مظلة الأمم المتحدة، والتي لا تستطيع العمل من دون تأييد ودور أميركي.

إعادة بناء الدول تصب تماماً في الحرب على الإرهاب، فالدول الفاشلة أرض خصبة للإرهابيين، لتدريبهم وتجنيدهم.

في كلمته، حمّل ترامب أسلافه مسؤولية توالد عشرات التنظيمات الإرهابية في أفغانستان بعدما كانت تستضيف واحداً هو «القاعدة» قبيل حرب 2001، وحيث إنه يكرر الفعل نفسه، فلا بد أن نتوقع مزيداً من هذه التنظيمات وعلى رأسها «طالبان»، التي تتوعد كعادتها بأن أفغانستان ستكون مقبرة للغزاة، وليته يعيد النظر في الخطة ويتوسع في السطر اليتيم الذي لمح فيه إلى أن من الممكن أن يكون لهم دور أو مشاركة في الحكم، ولكن هذا يحتاج إلى سياسة غير السابقة، التي ما فتئ ينتقدها... ولكنه يكررها.
 

omantoday

GMT 14:30 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

الضربة الأميركية... «الحوثي» والتحليل السياسي

GMT 22:43 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

الغباء..!

GMT 23:26 2023 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطار غزة على الدول العربية

GMT 16:31 2021 الأحد ,26 أيلول / سبتمبر

انسحاب أفغانستان وغواصات فرنسا

GMT 14:34 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

الصراع الهندي ـ الباكستاني ينتقل إلى أفغانستان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تكرار الأخطاء في أفغانستان يفضي الى النتائج ذاتها تكرار الأخطاء في أفغانستان يفضي الى النتائج ذاتها



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab