ليس لنا إلا أنفسنا

ليس لنا إلا أنفسنا؟!

ليس لنا إلا أنفسنا؟!

 عمان اليوم -

ليس لنا إلا أنفسنا

بقلم - عبد المنعم سعيد

قبل عامين وفي المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للسياسات في أبوظبي، ذكرت في مداخلتي أن الدول العربية ليس لها في عالمها إلا نفسها تعتمد عليها، وتكرر ذلك مرة أخرى في مؤتمر المنتدى الاستراتيجي العربي في دبي. وفي هذا المقام وغيره من منصات الكلمة كان ذلك ما رددته على ضوء الظروف الجارية، وبات ما أقوله أكثر تواضعاً وتفصيلاً. وللحق، فرغم ما يبدو من رضاء على الاعتماد على النفس، فإن الوجوه كانت دائماً تسفر عن شك في مدى حكمة ما يقال لأننا نعتمد على العالم في الغذاء والدواء والسلاح؛ وفوق ذلك فإن ما سرنا وراءه عربياً تحت شعارات الوحدة والقومية العربية لم يكن يشجع على الحديث مرة أخرى فيما يبدو الاتجاه ذاته الذي اختلط بالطفولة اليسارية الثورية، وما هو أكثر طفولة استراتيجية؛ ومغامرات فاقت الطفولة في العنف بالسلاح والادعاء والعنف. كان فيها ضعف الحساب الذي جاء مع التجربة الناصرية وقادت إلى ثمن فادح في عام 1967، كما كان فيها التهور الذي جاء مع تجربة صدام في العراق انتهت بغزو الكويت وانهيار العراق؛ ولم يكن بعيداً عنها نوعاً من الجنون الذي انتهى بالقذافي مقتولاً، وبليبيا كما نرى. كل هذه التجارب يمكن استخلاص الكثير من الدروس، ولكنها لا تمنع من استقراء حالة العالم المنذرة بالكثير من التهديد للدولة العربية الحالية، سواء جاء ذلك من النظام الدولي أو النظام الإقليمي؛ وإزاء كل منهما فلا بد من الاعتماد على أنفسنا.

المشهد الدولي محمّل بالمخاطر، وبينما يتتبع العالم بحرص حرب غزة الخامسة في الشرق الأوسط، فإن حربه الكبرى في أوكرانيا يجري فيها الاستعداد لمواجهة كبيرة مع نهاية الشتاء وبعدها لن يكون هناك ربيع. ما تأخر من معونات وأسلحة أميركية سوف يصل إلى كييف، ومنها سوف يكون هناك هجوم مضاد آخر، سوف يكون كارثة إذا نجح، وكارثة أخرى إذا فشل من استئناف ضراوة الحرب وامتداد الصراع بين روسيا والغرب. العلاقات الأميركية - الصينية على ما يبدو من نعومتها هذه الأيام فإن التناقض الدائم فيها بين العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة سوف يتوقف عمقه على من سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة. جوهر التناقض ليس فقط الصعود الصيني العام، ولا الحرص الصيني على عدم التورط في ما لا يعنيها مباشرة (لاحظ موقفها من حرب الشرق الأوسط)، وإنما أن الصين تحصل على جوهر التقدم الصناعي والتكنولوجي الغربي بينما تختزن الفائض الاقتصادي لديها. الغرب لا يستطيع المنع لأنه إذا منع قضى على السوق العالمية الحرة التي تبشر بها الرأسمالية العالمية. وإذا فاز بايدن، وهو جائز، فليس لديه إلا الحرب الآيديولوجية والعقوبات؛ أما إذا فاز ترمب، وهو مرجح، فإن وعده هو فرض 60 في المائة زيادة في الرسوم الجمركية على البضائع الصينية. النتيجة هي حروب تجارية كافية لكي تشبه ما أدى إلى الكساد العالمي ثم الحرب العالمية الثانية.

المشهد الإقليمي لا يقل تهديداً، ورغم أن حرب غزة الخامسة تبدو جارية بين تنظيم «حماس» وإسرائيل، فإن توابعها منذرة بالجموح على الشواطئ في البحر الأحمر وحرمان قناة السويس، والجذوات المشتعلة على حدود إسرائيل مع سوريا ولبنان مضافة إلى الضفة الغربية، بينما شمال سوريا محتل بأكثر من قوة دولية وتركيا مع حزمة من التنظيمات الإرهابية التي تبقي على تفكك سوريا وتهدد وحدة العراق. وإذا كان ذلك في قلب المنطقة، فإن جنوبها المتصل بالسودان وحتى تشاد والقرن الأفريقي ساخنة لا تغري بلمس.

وسط ذلك كله جرت التجارب الإصلاحية في عدد من الدول العربية معبّرة عن نضج تجاربها الوطنية والتي باتت على استعداد للاستمرار في بناء الأوطان بينما تدفع بعيداً محاولات التوريط أو الاستفزاز. جرت معجزات للتغلب على البيروقراطية والمحافظة والرجعية؛ بقدر ما ظهرت ملامح اتباع مناهج «الكمون الاستراتيجي» و«إدارة الثروات» بدلاً من «الفتح الاستراتيجي» و«توزيع الفقر» والاستفادة إلى أكبر مدى من التعددية في التجارب التنموية العالمية، بخاصة تلك الواقعة في آسيا. وللمرة الأولى ربما منذ فترات الاستقلال الأولى بعد الحروب العالمية، فإن تفعيل الداخل وقدراته بات أكثر أهمية من المشاهد العالمية الدولية اللهم إلا إذا كانت ذات ارتباط وثيق بمعدلات النمو والرقي والرفعة. خبران يلفتان النظر مؤخراً، أولهما أن المملكة العربية السعودية قامت بمبادرة لجذب الاستثمارات الخاصة بقطاع الضيافة (السياحة)، بما يصل إلى نحو 11 مليار دولار، بعائدات تقدر بنحو 4 مليارات دولار على الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول عام 2030. والآخر دعوة مجلس الأعمال السعودي - المصري إلى إنشاء تحالف اقتصادي بين المملكة ومصر للدخول في أسواق ثالثة وبخاصة السوق الأفريقية، وتحقيق التكامل بين قطاعي الأعمال في المشروعات والفرص الاستثمارية؛ لتوفير الاكتفاء والأمن القومي الغذائي والدوائي للبلدين ومواجهة التحديات التي تفرضها الأزمات العالمية. في أوقات أخرى، فإن مثل هذه الأنباء لم يكن تؤخذ إلا على أنها تعبير عن النوايا الطيبة؛ ولكن الأمر الواقع الجاري الآن في السعودية وباقي دول الخليج ومصر والأردن والمغرب يعكس تطورات في هذه البلدان أولها اتساع السوق الداخلية والسعي نحو أسواق أكثر اتساعاً. الخطوات الاقتصادية الشجاعة التي اتخذتها مصر مؤخراً مع دول الشراكة الاقتصادية العربية تدفع إلى حاجة في الاتصال ما بين الأوضاع «الجيو - سياسية» المنذرة في المنطقة؛ والأوضاع «الجيو - اقتصادية» الواعدة إذا ما وصل الركب سالماً في نهاية العقد. ما علاقة ذلك كله بما قدمناه من أنه ليس لنا إلا أنفسنا فهو يبدأ من القاعدة أن لبيت العالم رباً يحميه؛ أما أحوالنا الراهنة فإن البناء عليها واجب وخالص؛ ولذلك تفاصيل كثيرة.

omantoday

GMT 00:05 2024 السبت ,06 إبريل / نيسان

لمن سيصوت عرب ومسلمو أميركا؟

GMT 23:06 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

المؤامرة

GMT 19:36 2024 السبت ,16 آذار/ مارس

«لا للملصقات»... أميركا والطريق الثالث

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس لنا إلا أنفسنا ليس لنا إلا أنفسنا



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 16:53 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab