جولة بلينكن

جولة بلينكن!

جولة بلينكن!

 عمان اليوم -

جولة بلينكن

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

هناك ثلاث حروب فى غزة، واحدة نراها أمام أعيننا فوق الشاشات التلفزيونية مروعة وحزينة تقوم فيها البربرية الإسرائيلية بالقتل والسحل والطرد والتدمير الشامل بغير تمييز. والأخرى لا نراها لأنها تجرى فى ساحات مجالس الحرب، وخطط العسكريين لكسب المعارك لعلها من تراكمها تحقق الفوز فى حرب، وفى دهاليز الاستخبارات وجمع المعلومات وتحليلها.

والثالثة تدور بين كواليس الإعلام والسياسة الدولية بحثًا عن التأييد والتعبئة لموارد إضافية من البشر والسلاح. إسرائيل دخلت الحرب هنا، وهى تظن أن ذكر «الهولوكوست» يكفى للتعاطف والابتزاز، ويجذب الأنظار بعيدًا عما تفعله، ويؤكد لها أن لديها من القوة والقدرة على خوض معارك طائلة تنتقم فيها الدولة ممن أهانوا اليهود فى السابق، ولكنهم ليسوا ألمانيين هذه المرة، وإنما فلسطينيون لديهم قصة أخرى ومصير آخر. خرجت حرب غزة الخامسة عن تقاليد أربع حروب سابقة تراوح زمنها ما بين أسبوعين وستة أسابيع، والآن فإنها تعدّت الشهر الثالث، ودخلت الحرب فى سباق مع الحرب الأوكرانية، ليس فقط مَن يجذب الإعلام العالمى، وإنما مَن سوف يتحقق له وصف الحرب «الأبدية».

المقارنة سوف تظل دائمًا قائمة بين الحربين، وفى اللحظة الراهنة، فإن الحرب الأوكرانية أصبحت خاضعة لبرد الشتاء وظروفه المضادة للتحركات العسكرية الضخمة، أما حرب غزة فإن الطقس هو عدو الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، وربما الأسرى الإسرائيليين لديهم؛ أما المقاتلون فيبدو أنهم مصممون على انتزاع نصر يكفى لإنهاء الحرب.

اللحظة الراهنة تبدو سباقًا بين التصعيد والتبريد، حيث الأول حول نقل الحرب من الساحة الفلسطينية الإسرائيلية إلى الساحة الإقليمية الممتدة امتداد الشرق الأوسط، وأدواتها تصعيد العمليات العسكرية، والقصف المتبادل وعمليات الاغتيال لقيادات فلسطينية ولبنانية؛ أما الحوثيون اليمنيون فقد وجدوا نصيبهم فى حرب غزة يقوم على تعطيل التجارة العالمية فى البحر الأحمر.

التبريد يأتى من سلاسل العمليات الدبلوماسية، التى تصدرها الجولة الرابعة لوزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن»، الذى يحاول تطبيق النظرية التى تقول إن كل أزمة لها وجهان «الخطر والفرصة».

وفى الجولة الأخيرة فإن الجزء الأكبر منها لم يكن حول وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى والرهائن، وإنما التجهيز «لليوم التالى»، الذى عنده يبدأ التحول فى مصير الشرق الأوسط؛ وهذه المرة فى طريق إيجابى يقوم على جسر طويل بين اليوم الحالى والآخر التالى من خلال إعادة وحدة قطاع غزة مع الضفة الغربية، وإعطاء السلطة الوطنية الفلسطينية الفرصة لكى تسير فى طريق حل الدولتين.

معضلة «بلينكن» الكبرى لا تقع مع العرب، وإنما مع إسرائيل؛ فالعرب على استعداد لاستئناف عمليات السلام والتطبيع؛ كما أنهم يَعِدون بعمران غزة، والعمل من خلال قنوات مصرية وأردنية وفلسطينية على تكوين سلطة وطنية فلسطينية قابلة للعمل مع الواقع الصعب فى القطاع والضفة ومع إسرائيل أيضًا. ولكن إسرائيل على الجانب الآخر لا تبدو لديها قدرة بعد على النزول من شجرة الانتقام واستعادة «الردع» الإسرائيلى مرة أخرى.

نتنياهو يبدو حريصًا على امتداد الحرب لأسباب شخصية لأنه طالما امتدت الحرب، فإن قضاياه سوف تظل فى الملفات؛ ولأسباب سياسية لأن وجود اليمين التوراتى فى الحكم يعلق وجوده على استمرار مشروع «النكبة والنكبات»، التى تتيح لإسرائيل تفوقًا ديمغرافيًّا طويل المدى. ما يُقلق «بلينكن» أكثر أنه قد بات عليه مواجهة مع أنصار إيران، بينما إيران نفسها تنكر وجود علاقة مع هؤلاء الأنصار، الذين يقعون فى محور «المقاومة» و«الممانعة».

الولايات المتحدة فى لحظات الحرب الأولى أنكرت رسميًّا وجود أصابع إيرانية فى مفاجأة ٧ أكتوبر التى قامت بها حماس، وربما كان ذلك حتى تبقى خيوط علاقة، واتفاق نووى معلق.

جولة بلينكن الأخيرة جابت كل أقطار الشرق الأوسط، البدء بتركيا واليونان لم يكن من قبيل دعم حلف الأطلنطى، وإنما الاستفادة من نفوذهم وتواجدهم فى الشرق الأوسط. زيارة السعودية كانت للحصول على استئناف ما كان كى يذهب بها إلى إسرائيل مبشرًا وليس نذيرًا. قطر والإمارات كانتا للتعمير والاتصالات غير المباشرة مع حماس، ربما لبعث فكرة «هدنة» صغيرة أخرى.

مثلث الأردن ورام الله وإسرائيل يقع فى قلب النار، وتهديدات التهجير، وأثمان اقتصادية وأمنية موجعة لأنهم يعلمون أن إيران وتوابعها لديهم تصميم آخر لا يزال باديًا فى أفعال العراك والحرب. خاتمة السفر كانت فى القاهرة، التى تدرك أنه رغم أهمية الولايات المتحدة، وزيارة بلينكن، فإن التجربة المصرية هى أن الولايات المتحدة لا تكون منتجة ما لم تكن هناك أيادٍ إقليمية تفتح لها الطريق عبر أبواب الشرق الأوسط صعبة الفتح.

omantoday

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين

GMT 08:30 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 08:29 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جولة بلينكن جولة بلينكن



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab