«نوبل السلام» أحوج ما تكون إلى تصحيح المسار

«نوبل السلام» أحوج ما تكون إلى تصحيح المسار

«نوبل السلام» أحوج ما تكون إلى تصحيح المسار

 عمان اليوم -

«نوبل السلام» أحوج ما تكون إلى تصحيح المسار

بقلم - سليمان جودة

حصلت الإيرانية نرجس محمدي على جائزة نوبل هذه السنة، فكانت المرأة الرقم 19 التي تحصل عليها منذ إطلاق الجائزة في 1901، وكانت الأولى منذ أن حصلت عليها الفلبينية ماريا ريسا في الدورة قبل السابقة للجائزة.

وليس سراً أن نرجس سجينة منذ فترة، وأنها تقضي عقوبات بالحبس تصل في مجملها إلى 12 سنة، وأنها كانت قبل حبسها تشغل موقع نائبة رئيسة مركز المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران، أما رئيسة هذا المركز فهي الإيرانية شيرين عبادي، التي حصلت على «نوبل» في 2003، والتي تعيش في المنفى منذ سنوات.

والاثنتان حصلتا على «نوبل في السلام»، وهي واحدة من فروع الجائزة الستة التي يجري منح «نوبل» فيها خلال أكتوبر (تشرين الأول) من كل سنة، بدءاً من الطب، إلى الفيزياء، إلى الكيمياء، إلى الأدب، إلى الاقتصاد، ثم السلام بطبيعة الحال.

أما توزيع الجوائز الست فيكون في ديسمبر (كانون الأول)، ويتم في حفل تشهده العاصمة السويدية أستوكهولم ويشهده العالم معها، ويحضره ملك السويد ومدعوون كبار من شتى أنحاء العالم، ويظل حديث المهتمين وغير المهتمين.

ولا تزال «نوبل» هي الجائزة الأرفع في العالم، ليس من حيث قيمتها المادية التي تصل إلى مليون دولار لكل فائز، ولكن من حيث قيمتها المعنوية التي تنقل الفائز بها من مربع إلى مربع آخر تماماً، وتجعل شهرته تملأ الأرض، وخصوصاً إذا كان قد فاز بها في فرع الأدب.

ففي هذه السنة على سبيل المثال، حصل عليها في هذا الفرع الأديب النرويجي يون فوسه، الذي قال إنه كان يتوقعها خلال السنوات العشر الأخيرة، ولكنه رغم ذلك لم يكن يصدق عندما اتصلت به إدارة «نوبل» تبلغه الخبر.

ومن الممكن أن يكون فوسه اسماً معروفاً في بلده قبل «نوبل»، وفي الدول الاسكندنافية المحيطة ببلاده، ثم في محيط أوسع بين متابعي الأدب وقرائه حول العالم، ولكنه بعد الفوز سوف يصبح على كل لسان، وسوف تجد مؤلفاته ترجمات لها في كل لغة، وسوف ترتفع أرقام توزيع هذه المؤلفات، وسوف يكسب من ورائها الكثير من المال، وسوف يجد نفسه مدعواً إلى لقاءات وندوات في أرجاء الكوكب، وسوف يتبين له عندها وكأن الناس يكتشفون للمرة الأولى أن في عالم الأدب كاتباً اسمه يون فوسه، وأنه يكتب ما يستحق القراءة والمتابعة.

وعندما حاز نجيب محفوظ جائزة نوبل في 1988، راجت أعماله كما لم تجد رواجاً من قبل، وصعدت أرقام توزيع رواياته إلى السماء، وصار مطلوباً في كل مكان، ولم يكن وقتها يجد الوقت لينام، وقد عبّر عن ذلك بخفة دمه المعهودة، فقال ما معناه، أنه اكتشف بعد فوزه بها أنه قد أصبح موظفاً لدى السيد نوبل!

ولكن هذا كله لا يجب أن يلفتنا عن جائزة السلام التي صارت في الفترة الأخيرة تذهب إلى ناشطين وناشطات في مجال حقوق الإنسان، ولا تذهب إلى رجل ساهم في صناعة السلام بين بلاده وبين بلد مجاور، كما حدث مع السادات مثلاً عندما حصل عليها في سبعينات القرن الماضي.

ليس هذا تقليلاً من شأن ملف حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر، فلقد صار ملفاً مطروحاً على كل مائدة، وحاضراً في كل محفل، وطرفاً في كل قضية ينشغل بها هذا العالم، ولكن اكتساب ملف حقوق الإنسان هذا الحجم لا يعني أن يأخذ مكان السلام في «نوبل»، ولا أن تتحول «نوبل» عن السلام إليه، ولا أن نظل سنةً بعد سنة نبحث عن رجل حصل عليها في السلام كالسادات فلا نكاد نعثر على اسم واحد.

وفي 2019 كانت «نوبل في السلام» قد ذهبت إلى آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، وكان ذهابها إليه محل تساؤلات كبيرة ولا يزال، ليس عن موقف شخصي ضد الرجل، ولكن لأن ما يمارسه في ملف سد النهضة تجاه مصر والسودان، لا يؤسس لسلام من أي نوع في منطقة القرن الأفريقي ولا في شرق القارة السمراء، وإنما يؤسس لمشكلات يمكن أن تفيض على خارج المنطقة نفسها، إذا ما استمر هو في هذا النهج الذي يتبعه ويمشي عليه.

في مقدور لجنة الجائزة في السويد أن تستحدث جائزة لحقوق الإنسان، وفي إمكانها أن تكافئ ناشطي حقوق الإنسان كما تحب وتشاء، ولكن عليها أن تعيد جائزة السلام إلى صانعي السلام بمعناه الحقيقي؛ لأن عالمنا أحوج ما يكون إلى رجل، بل رجال ممن يصنعون السلام، ولأن مثل هؤلاء الرجال في حاجة إلى أن تضعهم لجنة «نوبل» في الحسبان، وأن تظل تحرّضهم على صناعته عاماً بعد عام، فلا تبدو صناعة السلام غريبة في دنيا غريبة.

ليس في العالم ركن إلا وفيه أزمة مشتعلة، وليس فيه زاوية إلا وتنام على وضع متأزم، وليس فيه أرض إلا وهي قلقة لا تكاد تستقر، وهذا كله إذا لم يلفت انتباه لجنة «نوبل»، فأي شيء سوف يلفت انتباهها ويجذبها ويشدها إليه؟

يشعر صناع السلام بين الشعوب بأنهم غرباء، ولا جهة قادرة على تبديد هذا الشعور لديهم إلا اللجنة التي تحمل اسم ألفريد نوبل من مكانها في أقصى الشمال.

omantoday

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين

GMT 08:30 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 08:29 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«نوبل السلام» أحوج ما تكون إلى تصحيح المسار «نوبل السلام» أحوج ما تكون إلى تصحيح المسار



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 16:53 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab