عاش يُغذي التطرف طول السنة ويسقيه

عاش يُغذي التطرف طول السنة ويسقيه

عاش يُغذي التطرف طول السنة ويسقيه

 عمان اليوم -

عاش يُغذي التطرف طول السنة ويسقيه

بقلم: سليمان جودة

كان الدكتور حامد ربيع، أستاذ العلوم السياسية الشهير في جامعة القاهرة، قد أصدر كتاباً مهماً في عام 1975، وكان قد جعل عنوانه كالتالي «مَنْ يحكم في تل أبيب؟».

وكان الدكتور ربيع قد أضاف عنواناً فرعياً إلى هذا العنوان الرئيسي لكتابه، وهو «حول تحليل علاقة التماسك في المجتمع الإسرائيلي، ومتغيرات الحركة السياسية في الشرق الأوسط».

والذين أسعدهم الحظ بمعرفة الرجل، وقد كنت واحداً منهم، يعرفون أنَّه اشتهر ببراعته في مجاله، وأنَّه عاش أقرب إلى اللورد بين أساتذة العلوم السياسية، وأنه اشتهر بلقب كنا نعرفه به. كان لقبه «الدكاترة حامد ربيع»، وكان السبب المباشر لهذه التسمية أنَّه حصل على أكثر من درجة دكتوراه، وكان السبب غير المباشر أنه كان أكبر من مجرد دكتور في الجامعة.

وفي كتابه المشار إليه، كان يتعرض للنظام السياسي في الدولة العبرية منذ نشأتها، وكان يتقصى فيها عملية صنع القرار مع تعاقب حكومات «العمل» و«الليكود»، وكان في كل كتاباته يدعونا إلى محاولة فهم هذا الكيان الذي قام على أرض فلسطين.

ولا شيء يجعلنا نستدعي هذا الكتاب بموضوعه، إلا هذه الحرب التي خاضها ويخوضها «الليكود» على غزة وهو يحكم برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي كان قد جاء على رأس حكومته الائتلافية في ديسمبر (كانون الثاني) من السنة المنقضية.

أما لماذا نستدعي كتاب حامد ربيع بموضوعه؟ فلأن هناك علاقة مباشرة بين هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، الذي قامت به «كتائب عز الدين القسام» على المستوطنات الإسرائيلية، وبين وجود شخص اسمه نتنياهو على رأس الحكومة في تل أبيب. وبمعنى آخر، فإنَّ الكتاب إذا كان قد تساءل وقت صدوره عمن يحكم في تل أبيب، فلقد كان وكأنَّه يقول إن الأحداث التي يشهدها الشرق الأوسط من حول إسرائيل، إنما تظل تتوقَّف على شكل الحكم هناك، وعلى طبيعة التكوين السياسي للشخص الجالس على رأس الحكم في إسرائيل.

ولذلك؛ فالعلاقة بين وقوع الهجوم وبين وجود نتنياهو، هي علاقة السبب بالمسبب، وعلاقة المقدمة التي تؤدي إلى النتيجة، وعلاقة البدايات التي تقود إلى نهايات بعينها، وعلاقة السحابات التي تتشكل في الأفق البعيد، بالمطر الذي في لحظة ينهمر على رؤوس الناس.

ومنذ اللحظة التي جاء فيها نتنياهو على رأس حكومته، كانت سحابته تتشكَّل في الأفق أمام كل متابع على أسوأ ما يكون التشكُّل، وكانت سياساته التي دأب على اتباعها على مدى ما يقرب من السنة، تشير إلى أنها سياسات لا بد لها من عواقب على الجانب المقابل في فلسطين، ولم يكن هو ولا أحد سواه يستطيع أن يخمّن شكل العواقب ولا اتجاهات الريح فيها.

كنا نتابع سياساته طول هذه السنة، وكنا نتساءل عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه في سياساته، التي كانت تستفز الفلسطينيين إلى أقصى حد، وكنا نتساءل أيضاً عن ردة الفعل التي يمكن أن تأتي من الطرف الآخر؛ لأنَّه في النهاية بشر من لحم ومن دم، ولأنَّه صاحب أرض يرى بعينيه كل يوم كيف يصمم نتنياهو على قضمها.

إن طرح السؤال بصيغة «لو» لا يفيد في شيء؛ لأنها صيغة تتكلم عن الماضي الذي لم يتدارك أحد أخطاءه، ولكن هذا لا يمنع أن تكون صيغة مفيدة في المستقبل، وفائدتها لا تكون إلا بتجنب تكرار ما وقع في ذلك الماضي القريب، وبتفادي أن يقع ما وقع من جديد؛ لأنه إن وقع فلن يقودنا إلا إلى النتيجة ذاتها.

مَنْ يحكم في تل أبيب؟ هذا سؤال تترتب على إجابته أشياء وأشياء؛ لأن لنا أن نتخيل أن الذي كان يحكم بدلاً من نتنياهو رجل آخر، ثم لنا أن نتصور أن ذلك الرجل الآخر كان من عيّنة إسحاق رابين على سبيل المثال.

إنني أقصد رجلاً يؤمن بالسلام في حده الأدنى، ويرى أن لا بديل عن إيمانه بهذا السلام، وأن البديل هو هذا الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر، ثم تكراره مع تكرار السياسات نفسها على يد حكومة نتنياهو، التي وصفوها بأنها الأشد تطرفاً في تاريخ إسرائيل دون منافس.

إن رئيسها رجل هرب من ملاحقات القضاء في بلاده، ثم راح يتخفى في مبنى الحكومة؛ ولأنه يعرف أن القضاء ينتظره إذا خرج، فلقد راح يمارس كل ما يمكن أن يُبقيه في المبنى على رأس الحكومة، وراح يغازل التطرف ويغذيه ويسقيه، ولم يجد بأساً في أن تضم حكومته أشخاصاً من نوعية إيتمار بن غفير، وزيراً للأمن القومي، أو بتسلئيل سموتريتش، وزيراً للمالية، فكلاهما كان ولا يزال يجد متعة في إهانة كل ما هو فلسطيني، وكلاهما كان ولا يزال يفعل ذلك في العلن وعلى الملأ، وكلاهما لم يكن ينتبه إلى أن هذا الفلسطيني له حدود في التحمل، وأن طاقته على الصبر يمكن أن تنفد في أي لحظة، وقد نفدت بالفعل في يوم الهجوم فكان ما كان.

ورغم أن الخلاف بين سياسات «العمل» و«الليكود» هو في الشكل غالباً لا في المضمون، ورغم أن دخول أحزاب صغيرة مع أي منهما لا يغير من ذلك في شيء؛ لأن «الليكود» إذا تحالف، فإنه يتحالف مع ما يشبهه من الأحزاب الصغيرة، وكذلك الحال مع «العمل»، إلا أن إطلاق الحرب على غزة بالطريقة الحاصلة، لم يكن ليحدث لو كان شخص آخر بخلاف نتنياهو هو مَنْ يجلس في مقاعد الحكم هذه السنة.

من سوء الحظ أن تكون حكومة نتنياهو الخامسة هي مَنْ يحكم في تل أبيب من أول 2023، فهي التي مهّدت السبيل إلى هجوم السابع من أكتوبر، وسياساتها هي التي كان لا بد أن تلد الهجوم وتنجبه.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاش يُغذي التطرف طول السنة ويسقيه عاش يُغذي التطرف طول السنة ويسقيه



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 16:53 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab