بقلم : سوسن الشاعر
لا يمكنك إلا أن تتأثر لمشهد أم تحضن ولدها لأول مرة بعد عشر سنوات خارج قضبان السجن وولدها ينحني ليقبل قدميها، والأب يستند إلى الحائط لضعفه أمام هذه اللحظة الإنسانية الحميمة.
لم يكن إفراجا لكن «حسين يوسف» منح فرصة ثمينة لا تقدر بثمن وهي حق التمتع بـ«العقوبات البديلة» التي أقرتها مملكة البحرين، بعد أن أمضى أكثر من ثلثي المدة، إذ منح فرصة أن يقضي السنوات الثلاث الباقية من مدة عقوبته بالبقاء تحت الإقامة الجبرية بين أهله وفي حضن والديه وأن يعمل أو يكمل دراسته حسب اتفاقه مع إدارة تنفيذ الأحكام.
ذلك تقدم على المستوى الحقوقي كبير أشادت به الخارجية الأميركية بعد مرور عام على صدور قانون العقوبات البديلة، ومن ثم أصدرت يوم الأربعاء الماضي تقريرا جديدا حول التوسع في القانون، إذ قالت سفارة الولايات المتحدة الأميركية لدى مملكة البحرين في حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» «ترحب الولايات المتحدة الأمريكية بتوسيع مملكة البحرين تطبيق قانون العقوبات البديلة»، كما أكدت السفارة في تغريدتها، دعم الولايات المتحدة «جهود مملكة البحرين المستمرة لتعزيز إجراءاتها القضائية».
المحكوم 10 سنوات جاسم عبد الله هو الآخر استفاد من قانون العقوبات البديلة بعد أن مضى 8 سنوات في مركز الإصلاح والتأهيل، وقال إن القانون أعاد كثيرا للأسر من الناحية النفسية والاجتماعية، مؤكدًا أن فراق 8 سنوات انجبر بعودته إلى أحضانهم مجددًا.
وقال جاسم عبد الله: «أتحدث على الصعيد الشخصي ومن خلال تجربتي مع قانون العقوبات البديلة، لم أجد أي معوقات في أثناء بحثي عن وظيفة، فإلى جانب خدمة المجتمع أعمل في إحدى المؤسسات وأكسب منها لقمة العيش، فنحن اليوم سعداء جدًا بعودتنا إلى أسرنا أولاً، وهذا لم يكن ليحدث لولا إقرار قانون العقوبات البديلة، أما إدارة تنفيذ الأحكام فهي الأخرى تبدي تعاونًا معنا، ونتلقى منها كل التسهيلات اللازمة، وهذا أمر محمود ومشكور».
أما مرتضى المحكوم بـ16 سنة التي قضى منها ست سنوات فحكم عليه «بخدمة المجتمع» كعقوبة بديلة خلال المدة المتبقية من عقوبته وهو بين أهله وفي منزله، وذكر مرتضى أن قرار إلزام المحكوم بخدمة المجتمع بساعات معينة يوميًا، يضيف الكثير إلى شخصية المحكوم، من ناحية تعاملهم مجددًا مع أفراد المجتمع، وكسب مزيد من المهارات، ولا أخفي عليكم سرًا، بأن خدمة المجتمع تؤهل المحكوم للانخراط في سوق العمل.
علي خليل المحكوم 10 سنوات قضى منها 7 سنوات في مركز الإصلاح والتأهيل، قال إن قانون العقوبات البديلة يضع مملكة البحرين في مصاف الدول المتقدمة في مجال حقوق الإنسان، وهو ما تؤكده جميع المنظمات الدولية. (المصدر صحيفة الأيام الخميس 23 سبتمبر).
فهل نجحنا في تسويق إنجازاتنا على هذا المستوى الحقوقي؟ الدول العربية التي تعمل بهذه الخيارات أي «العقوبة البديلة» تضعها كبنود ضمن القانون الجنائي، إنما البحرين فأولت عناية خاصة بهذا المفهوم القانوني الجديد وأصدرت قانونا مستقلا لأنها توسعت كثيرا في بدائلها وتدابيرها.
أ- العمل في خدمة المجتمع.
ب- الإقامة الجبرية في مكان محدَّد.
ج- حظْر ارتياد مكان أو أماكن محدَّدة.
د- التعهُّد بعدم التعرُّض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معيَّنة.
ه- الخضوع للمراقبة الإلكترونية.
و- حضور برامج التأهيل والتدريب.
ز- إصلاح الضَّرر الناشئ عن الجريمة.
صحيح أن مفهومها ما زال غامضا على الذهنية العربية بعمومها وعلى البحرين بخصوصها، على الرغم من أن عدد من استفاد إلى الآن منها بلغ حتى اليوم 3511 منهم 223 سيدة ومنهم 293 أعمارهم أقل من 21 سنة، فإن أثرها على نفسية وحياة من استفاد منها الكثير، هذا فضلا عن أثرها على أسرهم أو أثرها على تخفيف الاكتظاظ في السجون ومنح إدارة مراكز التأهيل الفرصة للعناية بشكل أفضل حين تخفيف الضغط عليها كمساحة وكتشغيل، ويظل الاحتياج أن نقيس أثرها علينا بمؤشرات أمنية واجتماعية اقتصادية.
ليس قانون العقوبات البديلة ما انفردت به البحرين، إنما انفردت بقانون «العدالة الإصلاحية للأطفال»، حيث أولت الاهتمام بالبدائل عن عقوبات سلب الحرية ومراعاة الأثر السلبي الذي قد ينجم عنها المحكوم عليه من الأطفال في هذه المرحلة العمرية المبكرة، فرفعت سن الطفل ومعاملته جنائياً إلى الثامنة عشرة، ومنعت عقوبة للطفل الجانح الذي لم تتجاوز سنه خمس عشرة سنة، بل تفرض عليه تدابير، وألحقته ببرامج تأهيلية وتربوية وطنية، وقررت معاملة خاصة للأطفال الجانحين ممن يتجاوزون الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة.
هذه مفاهيم حقوقية جديدة لا على مستوى القانون كنص، إنما على مستوى الأثر المجتمعي حتى على سلوكيات السجناء، فهل تتابع المنظمات الحقوقية المسيسة هذا التقدم وترصده في تقاريرها؟