الحج الاستثنائي

الحج الاستثنائي

الحج الاستثنائي

 عمان اليوم -

الحج الاستثنائي

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

المعايير والمقاييس التي تقيم بها المناسبات الدينية كثيرةٌ ومتعددةٌ حول العالم وباختلاف الديانات، ولكنّ حج هذا العام 2020 هو حجٌ ناجحٌ واستثنائي بكل المقاييس، على الرغم من ضخامة التحدي الذي فرضه فيروس كورونا على العالم أجمع.
على طول تاريخ الإسلام الممتد لقرونٍ طويلةٍ، كانت مواسم الحج تمرّ بتحديات كثيرةٍ ومتباينة، وكان بيت الله الحرام بمكة، هدفاً وغايةً لكل طالب سلطة أو متطرفٍ لعظم أثر المكان في مكة وحجم أثر الزمان في موسم الحج، وقد ضربت الكعبة بالمنجنيق وسرق القرامطة الحجر الأسود من الكعبة لأكثر من عقدين من الزمان، وانطلقت انتفاضاتٌ وقامت حروبٌ، ليس المجال لسردها في هذا السياق، بل تكفي الإشارة عن التقصي.
شأن الحج في الدولة السعودية الحديثة شأن عظيمٌ من دون شكٍ، ولكن خط اهتمام الدولة به والعناية التي تقدم له ولخدمة ضيوف الرحمن كان دائماً خطاً تصاعدياً في النجاح والإنجاز والاهتمام والرعاية. وتحت أي مقياسٍ، فإن هذا الخط أكبر دليل على العناية الاستثنائية الفائقة التي يحظى بها موسم الحج والحرمان الشريفان، بما لا يمكن أن ينكره إلا جاحدٌ أو مكابر.
رفضت السعودية منذ نيلها شرف خدمة الحرمين الشريفين توظيفهما بشكلٍ سياسيٍ مع أو ضد أي موافقٍ أو مخالفٍ، وفرضت هيبة الدولة وبسطت الأمن والأمان ثم عملت على العناية التنموية والرعاية للحجاج بكل ما استطاعت من خطط واستراتيجيات متجددة، وكان الصرف على ذلك بلا مقياس طوال عقودٍ من الزمن، وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين.
تحدي فيروس كورونا كان تحدياً استثنائياً لكل دول العالم، بحيث غيّر هذا القاتل الخفي كل شيء في العالم، خصوصاً كل ما يتعلق بعلاقات البشر بعضهم ببعضٍ وتواصلهم واحتكاكهم، وصار اتصال البشر الذي هو جزء من طبيعتهم محذوراً وخطراً على الجميع، فأغلقت المساجد وأوقفت الجمعة والجماعة وفرض الحجْر والعزل والتباعد، وهو ما جرى في كل المعابد وكل الأديان، لأن صحة الإنسان أولويةٌ وعافيته مبدأ راسخ.
الدولة السعودية هي الأكثر حرصاً على سلامة الحجاج وخدمتهم وتهيئة الأجواء لهم لأداء مناسكهم بيسرٍ وسهولةٍ، وهذا من الثوابت التي لا يجادل فيها أحدٌ، ولكنها مع كل التحدي الكبير الذي فرضه كورونا سعت جهدها وبتوجيهات القيادة لعدم تعطيل فريضة الحج ووجدت الحلّ المثالي، بحيث يحج عددٌ من المسلمين من كل دول العالم، ولكن بأعدادٍ رمزيةٍ رعايتها ممكنة وحمايتها من هذا الفيروس المتوحش متيسرةٌ، وهو ما جرى بالفعل.
أعلنت وزارة الصحة السعودية خلو الحجاج وموسم الحج من فيروس كورونا، وقد سخّرت لخدمتهم كل الإمكانات، ووفرت لهم كل الخدمات وكانت كل الطاقات المقدمة لبضعة ملايين كل عامٍ تقدم لبضعة آلافٍ بما يضمن قيام الشعيرة وحماية البشر في آنٍ واحدٍ.
صور التنظيم المحكم وإدارة حركة الحجيج والعناية بكل التفاصيل الصغيرة ستبقى طويلاً في ذاكرة المسلمين والعالم كله، ولن ينسى المسلمون خاصةً أن السعودية بالصوت والصورة لم تألُ جهداً ولم تذخر شيئاً في سبيل عدم تعطيل شعيرة الحج على الرغم من فيروس كورونا وتحدياته.
من دون تقصٍ فقد واجهت السعودية كل التحديات المتعلقة بالحرمين الشريفين في موسم الحج أو في غيره، وكانت البداية مع الملك عبد العزيز الذي أقام توافقاً إسلامياً على خطته للحرمين الشريفين ولمواسم الحج والعمرة، وقد سعى البعض لاستغلال الحج سياسياً بمحاولة بائسةٍ لاغتيال المؤسس وهو يطوف بالبيت الحرام في الشهر الحرام، وقد افتداه فيها ولي عهده الملك سعود بنفسه حتى وئدت الأزمة وانتهت الفتنة.
وعلى مدى عقودٍ، سعت بعض الأنظمة السياسية والتيارات الآيديولوجية لاستغلال الحج، ومحاولة رفع شعاراتٍ سياسية لخدمة هذا الطرف أو ذاك، وبقيت السعودية على موقفها الحازم والصريح بأن لا سياسة في الحج.
مع مطلع القرن الهجري الجديد، قامت ثلة من المتشددين يقودهم جهيمان العتيبي باحتلال الحرم المكي وألحدوا فيه بظلمٍ بقوة السلاح واستباحة الدماء والمحرمات، ووقفت الدولة بحزمٍ فقضت على الفتنة في مهدها واستمرت في رعاية الحرمين الشريفين، وكان تنظيم القاعدة امتداداً لهؤلاء في استباحة الحرمين ونشر الدماء فيهما، واستباحة كل المحرمات، ووقفت الدولة بحزمٍ حتى قضت ثانيةً على الفتنة واستمرت في حماية الحرمين ورعايتهما.
ومع مطلع القرن الهجري الجديد - أيضاً - حدث انقلاب الملالي أو ما يعرف بالثورة الإسلامية في إيران، وكان الحرمان الشريفان ومواسم الحج هدفاً لنظام الملالي لنشر العنف واستباحة الدماء، وقاموا في أكثر من موسمٍ وبأكثر من طريقةٍ وبشكل مباشرٍ مرةً وباستخدام العملاء مراتٍ، وقاموا بالتفجيرات واستباحة الدماء، ولكنهم في النهاية خابوا وخسروا، وقضت فتنتهم وبقيت السعودية حاميةً وراعيةً للحرمين.
مع كل هذا الاهتمام المستحق بهذا الحج الاستثنائي، فإن السعودية لم تنشغل عن أدوارها القائدة والرائدة في المنطقة والعالم، وكم هو مهم الدعم الإقليمي والدولي الذي شكلته لدعم «اتفاق الرياض» في اليمن بين الشرعية والمجلس الانتقالي، وكم هي مهمةٌ الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان في دول المغرب العربي، وكان على رأس أجندتها توفير الدعم المستحق للدولة الليبية وشعبها، ودعم الدول العربية في التصدي الحازم والقوي لأي احتلالٍ أو استعمارٍ أجنبي، وهذا جزء من قدر السعودية ومكانتها عربياً وإقليمياً ودولياً.
نجاح حج هذا العام تمّ بشفافية تامةٍ كما هو الجزء المهم من رؤية السعودية 2030 التي صنعها ويشرف عليها ولي العهد بنفسه، فالحج جاء في ظروف تفشي وباء كورونا الذي غطته السعودية بمواقف واضحة وسياساتٍ معلنةٍ ومؤتمراتٍ صحافية يوميةٍ، وقد جاء هذا الحج في ظرفٍ استثنائي تحدث عنه الملك بكل شفافية، وقبل العيد أعلنت السعودية تعرض الملك لعارض صحيٍ، وأعلنت قيامه بعملية المرارة ونقلت تلفزيونياً مغادرته للمستشفى.
وأعلنت دولٌ ومنظماتٌ إقليمية ودولية دعمها الإجراءات الاستثنائية التي أعلنتها السعودية لإتمام حج هذا العام، بحيث أشادت بذلك منظمة التعاون الإسلامي على المستوى الإقليمي ومنظمة الصحة العالمية على المستوى الدولي، وهو ما جرى التوافق عليه على مستوى الدول الإسلامية.
أخيراً، فهذا الحج الاستثنائي استوجب إجراءاتٍ استثنائية نجحت فيها السعودية بشهادة الجميع. وكل عامٍ وأنتم بخير.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحج الاستثنائي الحج الاستثنائي



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab