بقلم : حاتم الطائي
التَّحولُ الرقميُّ في المؤسسات لم يعُد قضية مطروحة للنِّقاش، بل بات قراراً مُلحاً ينبغي الإسراع في تنفيذه، خاصة ونحنُ على بُعد أشهر قليلة من بدء تطبيق الرُّؤية المُستقبلية "عُمان 2040"، علاوة على ما فرضته علينا جائحة كورونا من تحديات دفعتنا إلى حتمية تطبيق التحول الرقمي بلا تأخير أو تردد.
ولا ينبغي عندما نتحدَّث عن التحول الرقمي، أن نحصر الأمر في موقع إلكتروني لهيئة ما أو تطبيق ذكي على الهواتف المحمولة يتبع لمُؤسسة أو وزارة؛ إذ إنِّنا بهذه الطريقة نقلص المساحات الشاسعة التي يُمكن أن نستفيد منها إذا ما طبقنا هذا التَّحول بطريقة ذكية وفاعلة وشاملة. ورغم أننا قطعنا شوطاً كبيراً في مجالات التحول الرقمي وتقديم الخدمات الإلكترونية، لكننا لا نزال نفتقر لها في الكثير من قطاعات العمل، ولاسيما الخدمات الحكومية، فضلاً عن ضعف التَّطور الرقمي في القطاع الخاص. وما يُؤكد تميز بعض الجهات دون غيرها في مجال التحول الرقمي، الإشادة التي أصدرتها الأمم المُتحدة بشأن التحوُّل الإلكتروني في السلطنة، حيث حلت عُمان في المركز 50 عالميًّا، لتدخل بذلك لأوَّل مرة قائمة الدول ذات المستوى الأعلى في تقديم الخدمات الحكومية الإلكترونية، بعدما كانت في قائمة الدول"عالية المستوى" قبل عامين من الآن. وفي حقيقة الأمر هذه الإشادة لها جانبان، الأول أنَّ حكومتنا الرشيدة ولله الحمد نجحت في تطبيق الحكومة الإلكترونية في الكثير من مجالات العمل، وما أدلَّ على ذلك من الخدمات التي تُقدمها شُرطة عُمان السُّلطانية وغيرها من الهيئات والوزارات. أما الجانب الثاني، فهو أنَّ ثمَّة مُؤسسات أخرى لا تعرف عن التحول الرقمي شيئاً سوى أنَّها دشنت موقعًا إلكترونياً يضم أخباراً عن المؤسسة/ الوزارة وبعض التقارير الأرشيفية، فضلاً عن نافذة "تواصل معنا"، والتي لا تعدو كونها بريداً إلكترونياً بصيغة أخرى!!
والسؤال هنا: ما الذي ينقُصنا لتطبيق التحول الرقمي الشامل؟ وما هي آفاق "رقمنة" جميع المُعاملات في مختلف القطاعات، وخاصة القطاع الحكومي؟
والذي ينقُصنا لتطبيق التحول الرقمي الشامل هو إرادة التحول وسرعة تنفيذه، إذ يبدو واضحاً أنَّ بعض المُؤسسات لم تتخذ بعد قرارًا حاسمًا للتحول الرقمي، رغم أنَّ الموارد المالية لديها تسمح بذلك، خاصة وأنَّه يُمكن الاستفادة من الكوادر العُمانية النابغة في هذا المجال، بدلاً من اللجوء إلى شركات أجنبية من خارج السلطنة تتكلف مئات الآلاف من الريالات. الأمر الآخر أنَّه حتى في حالة توافر الإرادة لدى بعض المؤسسات ومن ثم توافر التكلفة، فإنَّ سرعة التنفيذ دون المستوى المأمول، إما نتيجة لاعتبار المسؤول في تلك الهيئة أو الوزارة أنَّ أمر التحول الرقمي هامشي أو ثانوي، أو لاعتقاده بأنَّ هذا التحول لن يُقدم أو يُؤخر في عمل مؤسسته! وهذا الأمر يعكس عدم الإلمام الكامل بالفوائد الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه الخطوة.
ولذا ينبغي أن يُدرك أي مسؤول في أيِّ جهة، أن التحول الرقمي يُحقق العديد من المنافع الاقتصادية والاجتماعية. فمن الناحية الاقتصادية، يُسهم هذا التحول في ضمان كفاءة التشغيل، فقيام المُتعاملين بتخليص إجراءاتهم من خلال أنظمة إلكترونية سيُعزز من جودة العمل، ومن ثم كفاءة التشغيل، ونتيجة لذلك يتحقق رضا المُراجع أو العميل أو الزبون، أياً كان المسمى. ولنا جميعاً أن نتخيل جهة حكومية قبل 20 سنة كان المراجعون يتزاحمون فيها من أجل الحصول على ختم من موظف أو توقيع من مسؤول لإنجاز المُعاملة، في مشهد عشوائي يعكس عدم كفاءة التشغيل، ثم تطور الأمر ووجدنا نظام الأرقام، وحصول كل مُراجع على رقم وتوقيت معين لإنجاز مُعاملته، إلى أن حدثت الطفرة في آلية تقديم الخدمة، من خلال إنجاز المُعاملة بالكامل من الهاتف المحمول، أو الحاسوب، دون الحاجة إلى تكبد عناء الذهاب إلى الجهة الحكومية أو الوقوف في طابور طويل.
ثمَّة فائدة بالغة الأهمية تجلت بصورة غير مسبوقة في ظل الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا، ألا وهي تسهيل آلية عمل الموظفين، وظهر على السطح مفهوم "العمل من المنزل" أو "العمل عن بُعد"، ونجحت المؤسسات التي استثمرت في التقنيات خلال السنوات الماضية في إدارة أعمالها وتنظيم شؤونها دون الحاجة إلى التواجد في مقر العمل، بينما تعثرت بشدة تلك المُؤسسات التي لم تسعَ يومًا إلى التحول الرقمي، وتعرضت وتيرة العمل فيها إلى شلل تام. والأمر ينطبق كذلك على مُؤسسات القطاع الخاص، ولاسيما في قطاع التجزئة، فقد استطاعت المُؤسسات التي تحولت رقميًا، أن تطرح منتجاتها إلكترونيًا، وتُحقق مبيعات جيدة في ظل الغلق الذي فرض على الجميع حول العالم.
وختاماً.. إنَّ التحول الرقمي يفتح آفاقاً واسعة نحو مُستقبل مُشرق، حيث ستكون الكلمة العُليا لتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، ومجالات العمل والتوظيف سترتبط بصورة أساسية بالخدمات الرقمية، وستُحقق المؤسسات القائمة على الرقمنة والأتمتة مُعدلات هائلة من الإنتاج، وستُوظف أكبر عدد مُمكن من الشباب أصحاب الخبرات والمهارات وثيقة الصلة بكل ما هو "ديجيتال"، فهل تكون 2020 السنة الأخيرة للمُعاملات الورقية، ونستبدلها بتعاملات إلكترونية رقمية شاملة؟!