«الذراري الحمر» والترمومتر السحري

«الذراري الحمر» والترمومتر السحري!

«الذراري الحمر» والترمومتر السحري!

 عمان اليوم -

«الذراري الحمر» والترمومتر السحري

بقلم: طارق الشناوي

الجريمة حدثت قبل تسع سنوات، وتكررت فى نفس المكان بعدها بعامين، والمخرج لطفى عاشور لم يعتبرها مجرد حدث هز الرأى العام، وعليه المسارعة بالتقاطه قبل أن يسبقه الآخرون، بل قرر تأمل الواقعة.. والرقابة فى تونس امتلكت من الرحابة ما سمح للمخرج بأن ينتقد أجهزة حساسة فى الدولة ويتهمها بالتقصير.. ولم يعترض أحد.

العمل الفنى رهان فكرى وفنى وسياسى وأيضا اقتصادى، يجب أن نرى على أطرافه الدولة، وفى الطرف الآخر المجتمع. الجريمة البشعة كانت هى العنوان الذى أثار المواطن خوفا وهلعا، وفى نفس الوقت وجّه سهام الغضب للدولة، التى لم توفر الحماية والأمان، وتركت مساحات فى أعالى الجبال للإرهابيين، يقيمون فيها دولتهم المزعومة والملعونة.

الفيلم تم تتويجه قبل أسبوع بجائزة اليسر الذهبى بمهرجان (البحر الأحمر) وحصل أيضا لطفى عاشور على جائزة أفضل مخرج. البديهى أن لجنة التحكيم عندما تمنح فيلما الجائزة الأهم، فهذا يعنى ضمنا أنها جائزة للمخرج، وكبار مخرجى العالم يحرصون مثلا فى

(السى فى) على الإشارة إلى أن فيلمه حصل على (سعفة كان) أو (دب برلين) أو (أسد فينسيا) وهذا يعنى ضمنيا أنه كمخرج الأفضل.. ولكن لماذا أصرت لجنة التحكيم على أن تمنحه أيضا جائزة أفضل مخرج؟ لتأكيد التفرد فى العديد من التفاصيل، ومنها أن المخرج لم ينقل الحدث كما هو من دفتر التحقيقات إلى الشاشة، ولكنه أمسك بالعمق وأضاف خياله الدرامى لتقديم عمق وظلال الجريمة وليست فقط الجريمة، وأنه أمسك بترمومتر سحرى، فبقدر ما يخاطب وجدان المشاهد، حافظ على ألا نستغرق فى الجريمة، ليستيقظ العقل ويوجه غضبه، ليس فقط للإرهاب ولكن للمسؤول الذى لم يؤد واجبه.

البطل مراهق فى الخامسة عشرة من عمره، يرى جريمة قتل ابن عمه وصديقه أمام عينيه، نفذوها وكأنهم يؤدون طقسًا شرعيًا.

يذبحون البشر طبقا لشريعتهم، يفصلون الجسد عن الرأس، يقفون على الجبل وكأنهم فى مملكتهم الخاصة لا ينازعهم فيه أحد، وهو ما حرص المخرج على تأكيده، يقدم لقطات واسعة لهذا الجبل الذى تحول إلى ملكية خاصة، وعندما لمحوا مراهقين يصعدان بلا خوف، قرروا أن يقدموا رسالة مباشرة للجميع، كان من الممكن ذبح المراهقين معا، لتبدو الرسالة أكثر دموية، إلا أن المطلوب نشر الذعر، ويبقى أحد المراهقين يحمل رأس ابن عمه وأيضا صديقه ورفيق رحلته إلى الجبل كراعى غنم، يضع رأس ابن عمه فى حقيبة، لتصل الرسالة للجميع وليس فقط أهل القرية النائية الساكنة فى شمال تونس.

الإرهاب لديه وسائله المتعددة لتتحول الرسالة إلى العالم كله، الهدف أن يدرك الجميع قدرتهم على الفعل، حتى ما يبدو ظاهريا من استكانة فهو لا يعبر سوى على السطح، أيديهم لا تزال تمسك بالسكين فى انتظار الضحية القادمة.

إصرار الأم على البحث عن جسد ابنها وكما أنجبته كاملا تريده أن يوارى التراب كاملا هو بداية المواجهة.

المخرج يقدم حالة إبداعية متكاملة يبرز فيها قدرته على توجيه ممثليه، خاصة الطفل الذى تمكن من التعبير عن الحالة الظاهرية المباشرة له وهو يعيش المأساة، ثم الكوابيس والأحلام التى يعيشها عندما يرى طيف ابن عمه متجسدا أمامه، المأساة تضع المتلقى فى حالة وجدانية متعاطفة مع الضحايا، المخرج الذى شارك أيضا فى كتابة السيناريو كان هدفه هو أن نستقبل الرسالة بعقولنا أيضا، لندرك أن سكاكينهم ليست بعيدة عنا، ولكنهم يتحينون الفرصة.

اختيار العنوان من كلمة عامية تونسية دارجة (الذرارى) تعنى الأطفال، اللون الأحمر يعكس تناقضا بين البهجة والدماء.. وهكذا عاش الطفل بطل الفيلم هذا التناقض وعشنا أيضا معه ليست ١٠٠ دقيقة، هى زمن الفيلم، ولكن لا يزال الشريط السينمائى نشاهده بداخلنا مجددا !!.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الذراري الحمر» والترمومتر السحري «الذراري الحمر» والترمومتر السحري



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab