لكى نحتفى بآثارنا

لكى نحتفى بآثارنا

لكى نحتفى بآثارنا

 عمان اليوم -

لكى نحتفى بآثارنا

بقلم : زاهي حواس

أعتقد أن الاحتفال بهذا اليوم ليس له أى فائدة إطلاقا؛ فما زالت الدول الغنية بالتراث والآثآر التى عانت ويلات الاستعمار تعانى من تجريف تراثها الأثرى وتهريبه بينما قوانين اليونيسكو المجحفة تقف عائقًا أمام أى دولة تريد إعادة آثارها المنهوبة!. فمن قوانين اليونسكو والتى بالمناسبة صاغتها الدول الاستعمارية الكبرى، قانون يقول بأنه لا يحق لأى دولة المطالبة باستعادة أى أثر مسروق قبل عام ١٩٧٢؟!. بعد ذلك تم عقد مؤتمر ضخم (يونى دوروا) فى روما، وقد حضرت هذا المؤتمر ممثلا لمصر ومعى السفيرة لمياء مخيمر، وجدنا أن الدول التى يحترف مواطنوها سرقة أو الاتجار فى الآثار المسروقة استعانوا بأساتذة كبار فى القانون الدولى لصياغة قوانين مشبوهة لا تساعد الدول فى استعادة تراثها الأثرى المنهوب!. ومن ضمن هذه القوانين إعطاء الحق لصالات المزادات أن لا تبوح بالطريقة التى حصلت بها على الأثر، وأن على الدول التى سرقت آثارها تقديم الأدلة التى تثبت ملكيتها للآثار المسروقة وكذلك الدليل على تهريبها من موطنها الأصلى. الأمر الذى يعنى استحالة عودة الآثار التى سرقت من خلال الحفائر خلسة أى غير القانونية التى تقوم بها عصابات سرقة الآثار؛ وذلك لأن الدولة لم تعلم بها وبالتالى لم تسجل هذه الآثار فى سجلات حفظ الآثار. فإذا علمنا كمّ ما تم من سرقات للآثار فى مصر خلال فوضى عامى ٢٠١١ و٢٠١٢، تبين لنا حجم المأساة حيث تعرضت مئات المواقع الأثرية للحفائر للسرقة وتم بيع آلاف القطع الأثرية خارج مصر، ومع الأسف ليس فى استطاعتنا أن نقدم دليلا على سرقتها. كما أن هناك قانونا آخر ينص على أن أى شخص اشترى تمثالا أو آثرا مسروقا وثبت حسن نيته فعلى الدولة صاحبة الأثر المسروق أن تعيد المبالغ المادية التى دفعها!. وقد طلبت كلمة لمصر وقلت هل يمكن لأى شخص أن يعرف حسن أو سوء نية من يقوم بشراء أثر مسروق؟. ورفضنا التوقيع على هذه الاتفاقية.

إذا كنا نود أن نحتفل بهذا اليوم لذلك يجب على الدول التى تعانى من نزيف سرقة الآثار أن تتفق ويتم عقد مؤتمر دولى عالمى فى وجود اليونيسكو يمثل فيه أى مندوب من الدول التى تشجع على سرقة الآثار حتى يتم تغيير هذه القوانين، وإذا تم ذلك فيمكن أن نحتفل جميعًا بما يسمى اليوم العالمى لمكافحة الاتجار فى الممتلكات الثقافية.

كلب فوق الهرم

أصبح صعود كلب فوق سطح الهرم حديث الساعة فى مصر والعالم، استطاع الكلب أن يصعد مسافة ١٣٧ مترا والوصول إلى قمة الهرم. وعندما استطاع سائح يمارس هواية الطيران الشراعى حول الهرم تصوير الكلب وهو يتجول على قمة الهرم ويلعب مع الحمام، صارت تلك اللقطات حديث مواقع التواصل الاجتماعى ومنصات الإعلام العالمى لدرجة أن مجلة التايمز وضعت صورة لأبو الهول فى شكل كلب وقام كل السائحين الذين زاروا الهرم فى ذلك اليوم بالتقاط صورة مع الكلب، واتضح بعد ذلك أنها كلبة وأطلق عليها اسم «فرحة».

هنا أود أن أشير إلى تفاقم مشكلة الكلاب الضالة وانتشارها فى كل مكان وبأعداد مفزعة، حتى إننى عندما أقف محاضرا أمام أبو الهول أجد حولى عشرات الكلاب الضالة. وقد قالت لى سفيرة قبرص بالقاهرة إنها دفعت لأحد الأشخاص مبالغ مالية للمساعدة فى أن يجد مكانًا آمنًا لهذهة الكلاب. يجب أن يتم معالجة هذا الموضوع وإيجاد حل إنسانى لمشكلة الكلاب الضالة.

إن وجود حيوانات سواء ضالة أو مستأنسة مثل قطعان الماعر والخراف لا يمكن قبوله فى المناطق الأثرية بأى حال من الأحوال. أذكر أننى عندما كنت مديرًا لمنطقة آثار الهرم لاحظت وجود قطعان أغنام منتشرة فى كل مكان بالمنطقة متسللة من منازل سكان نزلة السمان ومزارعهم. وبعد أن حاولنا التنبيه على أصحاب الأغنام بعدم تركها تتجول فى المنطقة ولم يستمعوا إلينا أصدرت أوامرى للحراس بل وللمفتشين بأن يقوموا بالتحفظ على الغنم فى تفتيش الآثار حتى يأتى أصحابها، وبالفعل حضروا للمطالبة بأغنامهم وقمنا بتسليمها إليهم بعد توقيعهم ما يفيد بتنازلهم عنها حال القبض عليها مرة أخرى، وأننا سوف نرسلها إلى مجازر المحافظة لذبحها وتوزيع لحومها على الفقراء!. من يومها لم نر أى عنزة شاردة فى المنطقة الأثرية وقضينا على المشكلة نهائيًا.

نعانى من الشائعات المغرضة التى يحاول من ينشرها أن يوقع بين الحكومة والمواطنين، لذلك تجد الحكومة دائمًا تعلن عن هذه الشائعات وتؤكد أنها ليس لها أساس من الصحة. وكان من الممكن أن نستغل ما يتم إهداره من وقت وجهد فى إثارة الشائعات وقيام الحكومة بالرصد وإصدار البيانات فى عمل مفيد نافع للناس وللدولة.

وللأسف الشديد تنتشر الشائعات فى المجتمعات ذات الحظ القليل من التعليم والثقافة، وبالتالى فإن خطوط مواجهة المشكلة تأتى من خلال محاور مختلفة، الإعلام هو مجرد محور واحد وهناك الوزارات المعنية بالتعليم والثقافة التى عليها واجب رفع الوعى عند المواطن. أقول ذلك لأننا عند إقامة حفل كبير أمام أبو الهول أقامه بعض رجال الأعمال اليابانيين بمناسبة تدشين استثماراتهم فى مصر، وجدنا مكتوبًا على منصات السوشيال ميديا الآتى «فى حفل ضخم بالأهرامات يعلن اليوم أسطورة العقارات اليابانى كانا زارو يوكيو عن إنشاء مدينة ترفيهية عالمية حول الأهرامات والمتحف المصرى الكبير على أرض نادى الرماية باستثمارات يابانية تبلغ ٢٥ مليار دولار»!. وقد سمعت من كثيرين هذا الكلام وأزعجنى بلا شك، لأن المدن الترفيهية تقام خارج المدن ولدينا أماكن كثيرة على طريق الفيوم وطريق مصر الإسكندرية الصحراوى لعمل مثل تلك المدن وليس داخل المناطق الأثرية!. لأن وجود ملاه فى ميدان الرماية هو التلوث البصرى والسمعى بعينه للمنطقة الأثرية وأهم مشروع ثقافى فى القرن الحادى والعشرين. إن منطقة الأهرامات التى بها إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة والوحيدة الباقية حتى الآن لا يمكن أن تقام بها ملاه أو مدن ترفيهية، ولذلك يجب أن تكون المنطقة من المتحف المصرى الكبير إلى أهرامات الجيزة خالية تماما من أى مبان أو إشغالات حتى يظهر المتحف والأهرامات فى صورة حضارية لا يشوهها أى شىء.

لقد انزعجت من هذه الأخبار المتداولة!، ولم أجد أمامى غير إرسال رسالة إلى الوزير المحترم شريف فتحى وزير السياحة والآثار، أستفسر فيها عن هذا الموضوع. وقد اتضح أن كل الحديث عن إنشاء منطقة ترفيهية فى ميدان الرماية شائعات لا أساس لها من الصحة. وحقيقة فإننى سعيد بأداء الوزير النشط شريف فتحى الذى يبذل كل ما فى وسعه للحفاظ على تراثنا الأثرى وتحسين بيئة العمل فى المتاحف والمناطق الأثرية. ومازلت أعتقد فى ضرورة وجود لجنة عليا يشكلها السيد رئيس الوزراء تضم كل التخصصات المطلوبة لكى تقوم بعمل المخطط الرئيسى master plan لهذه المنطقة كى لا نجد مشاريع ليس لها أى فائدة سوى تدمير التراث يتم الحديث عن البدء فيها. معروف للجميع اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى بالحفاظ على التراث، ويتابع بنفسه كل ما يجرى فى مشروع المتحف المصرى الكبير وتطوير منطقة الأهرامات والمنطقة المحيطة.

القصف الإسرائيلى يهدد قلعة بعلبك

اتصل بى صديقى الكاتب الكبير محمد صلاح الذى يبدع دائما فى حواراته الصحفية، وقد قام مؤخرًا بالاتصال بى للحديث عن إنقاذ آثار قلعة بعلبك من أخطار القصف الإسرائيلى المجرم، وفى مقدمة الحوار الذى نشرته جريدة النهار اللبنانية نشر الكاتب محمد صلاح يقول إن زاهى حواس يتبنى حملة دولية لإنقاذ آثار لبنان محذرا من الخطر المحيط بالمعالم الأثرية فى لبنان وخصوصا قلعة بعلبك. وفى الحوار طالبت بضرورة التدخل السريع للعالم كله وخاصة اليونيسكو للتدخل وحماية الآثار. وأشار محمد صلاح إلى أننى قد دققت ناقوس الخطر المحدق بالمناطق الأثرية بلبنان فى ظل تصاعد القصف الإسرائيلى البغيض على المدن والبلدات المحيطة بنهر الليطانى داعيا منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونيسكو إلى التدخل السريع واتخاذ إجراءات صارمة من شأنها حماية المناطق الأثرية.

هناك خطورة بالغة تحيط بالمناطق الأثرية فى ظل تمدد رقعة القصف الإسرائيلى، والغارات باتت على بعد أمتار قليلة من المناطق الأثرية ولا بد من التدخل السريع لحمايتها. إن الارتجاجات جراء الانفجارات تؤدى إلى تصدعات وخلخلة فى المناطق الأثرية إضافة إلى خطر الحرائق وألسنة اللهب والدخان التى تدمر الحجارة الأثرية وتقلل من قدرتها على الصمود ومواجهة عوامل القدم والتعرية والإخطار الناتجة عن الطبيعة. وخلال حرب ٢٠٠٧ لم تتعرض قلعة بعلبك للقصف المباشر لكن آثار الغارات على المناطق المحيطة أدت إلى تصدع فى بنيتها وسقوط بعض أحجارها رغم ما يميز القلعة من أحجام حجارتها الضخمة المكونة من الكلس الصلب المقاوم لعوامل التعرية، إضافة إلى أن أعمدتها من الجرانيت.

كذلك يجب أن نضع فى الاعتبار أنه فى ظل القصف المستمر والفوضى تتعرض المناطق الأثرية للسرقة من قبل العصابات، والقطعة الحجرية الصغيرة من الحجر لأى أثر مهمة للصوص ولتجار الآثار ولها قيمة كبيرة. ولذلك طالبت بضرورة تدخل منظمة اليونيسكو لحماية المناطق الأثرية وإبعاد آلة الحرب الإسرائيلية عن المناطق المحيطة بالآثار، وأنا مستعد للتعاون مع السلطات فى لبنان والمعنيين بالآثار فى العالم لإطلاق حملة دولية تهدف إلى تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية ضد المناطق الأثرية. والدعوة إلى تجريم الاقتراب منها وإبعادها عن الصراعات المسلحة. نتمنى أن تنجو آثار لبنان وتراثه الحضارى ذو القيمة التاريخية الكبيرة من هذه الحرب لتعود إلى سابق عهدها مقصدًا سياحيًا عالميًا. الإسرائيليون يتصرفون بجنون ويتعمدون محو الهوية الثقافية وتدمير الآثار التى هى من أكثر العناصر التى تحفظ هوية الشعوب وتذكر العالم بتاريخهم. شيد قلعة بعلبك الرومان فى القرن الثانى بعد الميلاد وعمرها من عمر لبنان منذ الفينيقيين المؤسسين الذين أطلقوا عليها لقب مدينة الشمس خلال الألفية الثالثة ق.م، وخلال نحو خمسة آلاف سنة تعاقبت عليها كل الحضارات وتعرضت للسطو من قبل الغزاة.. أنقذوا آثار لبنان.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكى نحتفى بآثارنا لكى نحتفى بآثارنا



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab