«أبوالهول» المفترى عليه

«أبوالهول»: المفترى عليه

«أبوالهول»: المفترى عليه

 عمان اليوم -

«أبوالهول» المفترى عليه

بقلم : زاهي حواس

هناك العديد من الآراء الخاطئة التي تصاحب «أبوالهول»، وللأسف فإن كثيرا من هذه الآراء إن لم تكن كلها، تأتى من غير المتخصصين دون أي سند علمى، وقد نشرت بعض الصحف المصرية مقالًا منقولًا عن الصحف العالمية يقول إن علماء أجانب توصلوا إلى كيف تم بناء «أبوالهول». تبدأ الحكاية الغريبة في أكتوبر الماضى عندما أعلن الباحثون صمويل بورى وسكوت ويدى وليف ريستروف من معمل الرياضيات التطبيقية في معهد كورانت بجامعة نيويورك، أنهم يعرفون الآن كيف بنى «أبوالهول»، أو على حد قولهم قصة نشأة التمثال الهرمى!، ومقالهم منشور في العرض السنوى لحركة السوائل في الجمعية الأمريكية للفيزياء في قسم توزيع ديناميكا السوائل.

وقد تم قبول البحث ونشره في مجلة Physical review fluids، وهم يعتقدون أن ظروف الرياح تشكلت لتشبه سمة صخرية على هضبة الجيزة تشبه جسم الأسد، ويعتقدون أن شكل ما أصبح فيما بعد التمثال الهرمى كان يشبه صخرة ممدودة مطولة منحوتة بهذا الشكل نتيجة لتعرية الرياح. وبعمل نسخة من الصخور الأساسية استخدموا الطين والماء بنسبة ٢:١ بدلًا من استخدام الرياح، قاموا بغسل الصخرة الأساسية بالماء الجارى السريع فأنتجت شكلا يشبه التمثال الهرمى.

هنا أود أن أسجل أن هؤلاء الباحثين ليس لهم صلة من قريب أو بعيد بالآثار المصرية، بل تخصصهم الفيزياء، وفى نفس الوقت نجد أن المجلة التي قبلت بحثهم لم تنشر من قبل أي بحث عن الآثار المصرية، وأعتقد أنهم قبلوا نشر هذا البحث لكى تكتسب مجلتهم الدعاية الإعلامية، وهذا ما حدث فعلًا، لأن العديد من الصحفيين الأجانب اتصلوا بى للرد على هذا الموضوع وكان آخرهم Owen Jarus ويعد مقالا للنشر في مجلة life science، وكان ردى الآتى: إن هؤلاء الفيزيائيين لم يشاهدوا «أبوالهول»، ولم يدرسوا كيف قام المصريون القدماء بنحته.

تبدأ قصة «أبوالهول» عندما قرر مهندس الملك خفرع عنخ حاف أن ينحت هذا التمثال للتعبير عن عقيدة دينية خاصة بعصر الملك خوفو سنفصلها فيما بعد، ولكن قبل أن اشرح ما حدث تعالوا بنا نعرف تكوينات هضبة الجيزة: عندما اختار الملك خوفو هذه الهضبة لبناء هرمه وكان معه ابن عمه المهندس العبقرى حم إيونو وجدا أن هضبة الجيزة تتكون من ثلاث طبقات الطبقة؛ الأولى والثانية عبارة عن صخرة ضعيفة هشة جدا وهذا واضح عندما ننظر الآن إلى صدر «أبوالهول»، ونجد هذا واضحا أيضًا أسفل الصدر حيث الصخرة ضعيفة جدا لا يمكن أن ينحتوا منها جسم أسد. أما الطبقة الثالثة فهى عبارة عن أحجار قوية استعملها المصرى القديم في بناء الأهرامات الثلاثة، وفى نفس الوقت تم نحت رأس ورقبة «أبوالهول» منها. وقد نظر المهندس المصرى القديم إلى جسم التمثال وهو عبارة عن صخرة متبقية في منطقة المحاجر بـ «أبوالهول» فوجدوا أن الجسم عبارة عن صخرة ضعيفة جدا تتكون من جزأين الأول من الرأس لمسافة ٥٠ مترا وبعد ذلك يأتى فراغ تم يأتى الجسم الثانى أي أن «أبوالهول» كان عبارة عن صخرة مقطوعة إلى جزأين بينهما فراغ كبير من أعلى إلى أسفل، وهنا سوف نعرف ماذا فعل المصرى القديم، وهذا الرد واضح لى لأننى شاهدت جسم «أبوالهول» بالكامل بدون أحجار التكسية الخارجية.

وقد حدث ذلك عندما سافرت إلى أمريكا عام ١٩٨٠ لنيل درجة الدكتوراه، وأثناء هذه المدة سقط للأسف الشديد حجر من جسم التمثال، وهنا تبارى الجميع للهجوم على الرجل العظيم فؤاد العرابى الذي كان يرأس هيئة الآثار في ذلك الوقت، وانتهى الأمر بخروجه من المنصب، وبعد ذلك قام رئيس الهيئة الجديد وكان المرحوم الدكتور أحمد فخرى بتشكيل لجنة علمية قامت بوضع تقارير وخطط الترميم. ولكن للأسف بدأ المهندس المسؤول عن الترميم- دون الاستعانة بأى رأى للجنة- بإزالة كل أحجار «أبوالهول» القديمة التي تشكل النسب التشريحية للتمثال، ووضع بدلًا منها أحجارا غشيمة مع مونة الأسمنت!!، ودمر بذلك «أبوالهول» تمامًا وهذه كانت أكبر جريمة ترميم حدثت في التاريخ المعاصر!. وعندما حضرت من أمريكا قمت بوقف أعمال الترميم، ودخلت في العديد من الصراعات في ذلك الوقت لا مجال لذكرها الآن. ولكن ما شاهدته في ذلك الوقت من جسم التمثال هو الرد على البحث الذي أعلنه الباحثون الأجانب. عندما بدأنا عملية الترميم وجدنا أن هناك ضرورة لإزالة الأحجار الغشيمة التي كسوا بها جسم «أبوالهول»، وكذلك مونة الأسمنت التي أفقدت التمثال كل نسبه التشريحية. ووجدنا أمامنا جسما من الحجر الجيرى مهشما تماما، منقسما إلى جزأين وبينهما فراغ وهذا هو ما شاهده المهندس المصرى القديم. ولذلك فقد قام المهندس الفرعونى أولًا بملء الفراغ بالأحجار من أعلى إلى أسفل، وبعد ذلك قام بتكسية الجسم بالأحجار لكى يقوم بإخراج النسب الترشيحية. وبعد ذلك قام بنحت جسم الأسد وتشكيله على الأحجار التي كسيت بها صخرة التمثال. لهذا السبب نجد أن الرأس صغير نسبيًا بالمقارنة بجسم التمثال.

وعندما جاء الأمير تحتمس للصيد في منطقة الجيزة قبل أن يصبح الملك تحتمس الرابع، وحدثت قصة الحلم الشهيرة التي تحكى أن «أبوالهول» طلب من تحتمس في المنام إزالة الرمال التي تجمعت حول جسده حتى يستطيع أن يتنفس من جديد، ووعده بأنه إذا فعل ذلك فسوف يجعله ملكًا على مصر. وبالفعل قام تحتمس بعدما أصبح ملكًا بإزالة الرمال ووجد مهندسوه أن الأحجار التي كسا بها التمثال قد سقطت فقام بإعادتها مرة أخرى إلى الجسم. ووجدوا أن هناك بابا جرانيتيا بمعبدالوادى للملك خفرع فقاموا بنقله ووضعه بين مخلبى «أبوالهول» ونقشوا عليه قصة الحلم، ولذلك تعرف هذه اللوحة باسم لوحة الحلم. ويقال إن تحتمس قام بقتل أخيه الأكبر الأحق بالحكم، وكتب هذه القصة كنوع من الدعاية السياسية لكى يقول إن الإله حور إم أخت (أبوالهول)، هو الذي وعده بحكم مصر واختاره ملكا، وبذلك ينسى الشعب الجريمة التي قام بها تحتمس.

إذًا هل لنا أن نقول بأن الفراعنة وجدوا أن الصخرة قريبة من شكل التمثال، وأضافوا إضافات بسيطة عليها لتكون في النهاية «أبوالهول»؟، أعتقد بأن ذلك افتراء لا يمت للحقيقة.

أما الافتراء الثانى فقد كتبه كولين ريدر، وأشار إلى أن عبادة «أبوالهول» قد بدأت في وقت مبكر منذ عصر ما قبل الأسرات!، ويعتقد أن المصريين نحتوا هذا الأسد الضخم في عصر ما قبل الأسرات!، وأنه من المحتمل خلال الأسرة الرابعة قام البناؤون بنحت رأس «أبوالهول» كما نعرفه حاليًا بغطاء الرأس الملكى المعروف باسم النمس.

ونعرف أن المصريين القدماء في الأسرة الرابعة وخاصة عصر الملك خفرع قاموا بنحت «أبوالهول» من كتلة يزيد طولها على ٧٠ مترا بعد أن عزلوها بالحفر حولها وبعمق أكثر من ١٢ مترا من الشمال الغربى إلى الجنوب الشرقى منحدرًا تجاه المقطم، ويعد محجر «أبوالهول» نموذجا من المحاجر العميقة الممتدة. ولعزل قاعدة هرم خفرع وقاعدة هرم خنتكاوس قطعوا ٣٠ مترا على مستوى أكثر من ٢٣٠ مترا، لذلك ليس من المعقول أن «أبوالهول» يعود إلى عصر ما قبل الأسرات، هل من المعقول قبل بناء هرم سقارة المدرج من الحجر لأول مرة عن طريق العبقرى ايمحوتب أن يوجد بناء آخر من الحجر مثل تمثال «أبوالهول»؟!، لذلك أقول وأؤكد أن ادعاء ريدر أن «أبوالهول» يعود إلى عصر ما قبل الأسرات هو ادعاء غريب لا يمت للعلم بصلة. ولذلك لم يعطنا ريدر أي أدلة علمية لإثبات نظريته الغريبة!، وقد كانت حجته الرئيسية أن الطرف الغربى من موقع القناة (الخندق) الذي يحيط بمنطقة «أبوالهول» أكثر تآكلا من الطرف الشرقى للجانب الجنوبى أو جسم «أبوالهول» ذاته، وأن هطول الأمطار على جانب تلك المنطقة قد زاد من تلف وتآكل هذه الأجزاء.

لكن هناك سببا كافيا قد يمنع جريان مياه الأمطار على جانب «أبوالهول»، وهو وجود محجر إلى الغرب منه، فقد قام البناؤون في عهد الملك خوفو ببناء حجر الأساس لـ «أبوالهول» ناحية الغرب وعلى هذا تؤرخ المنطقة المحيطة بـ «أبوالهول» للفترة التي تسبق حكم الملك خوفو، وقد صرح ريدر بأنه لا يمكننا تأريخ الأثر أو تحديد العمر الزمنى لـ «أبوالهول» من خلال عوامل التعرية والتآكل بفعل جريان المياه، ويستشهد بأدلة السيول الصحراوية في الجيزة وفى وادى الملوك منذ زمن الدولة القديمة والدولة الحديثة، وحجته في المحجر وراء «أبوالهول» شمال الطريق الصاعد المؤدى إلى هرم الملك خفرع، وقد قمنا بالحفر عند حجر الأساس بمنطقة أبوالهول عند المحجر الغربى وقد كشفنا على عدد من الدفنات تؤرخ للعصر المتأخر غرب مقبرة كامبيل، ويمتد المحجر على مسافة حوالى ١٥٠ مترا بعمق يتراوح بين ٢.٥ متر إلى ٣ أمتار على نفس قاعدة الطريق الصاعد للملك خفرع، والذى يمثل الحافة الجنوبية له أو من المحتمل أن يكون عمال المحاجر في عهد خفرع قد عملوا على صقل أرضية المحجر تاركين الطبقات الطبيعية من الحجر الجيرى في الجنوب الشرقى، واتضح أن أرضية المحجر الضحلة وطريق خفرع الصاعد قد اشتركا في نفس القاعدة الحجرية، وقد قام عمال المحجر بالحفر أعمق بكثير من جهة الغرب أسفل وشمال بداية الطريق الصاعد كما أقاموا ممرا خلف «أبوالهول» مباشرة تجاه الشرق والممتد من الشمال للجنوب بعرض 2.5 متر تقريبا، وربما استخدم لنقل أغراض البناء من المنطقة المركزية للمحاجر في الشرق الواقعة شرق هرم الملك خوفو، وقد قام ريدر بنشر كتاب عن نظريته، وهنا يجب أن نشير إلى نقطتين رئيسيتين: أولًا، أن تآكل الطرف الغربى من خندق «أبوالهول» وتآكل التكسية الحديثة كان أمرًا طبيعيًا بفعل عوامل الزمن والتعرية والتى شاهدناها على مدى 40 عاما من العمل بالجيزة، وكان من الممكن حدوث نفس الشيء على مدى الأجيال القليلة التي تلت حكم الملك خفرع. ونحن نعتقد تعرض الموقع لنفس الظروف المناخية التي حولت موقع المدينة المفقودة للعمال إلى أنقاض.

ثانيًا: أن نظرية تأريخ تمثال «أبوالهول» وفق عوامل التلف والتآكل يجب أن تمثل المستوى الثانى في الأهمية في الحقل الأثرى، وكما لاحظنا فقد حفرنا ثقوبا حديثة وشقوقا طبيعية في أرضية حجر الأساس لـ «أبوالهول»، وتمكنا من العثور على آثار تثبت عودته إلى الأسرة الرابعة، وعلى النقيض الآخر لم نعثر على أي قطعة فخار واحدة تعود إلى عصر ما قبل الأسرات. إننا لو قبلنا فرضًا هذه النظرية كان من المتوقع أن نعثر على قطع فخار تركت حول التمثال نتاج القرابين والعبادات خلال عصر ما قبل الأسرات!.

إن الأدلة الأثرية تشير إلى أن «أبوالهول» تم نحته خلال عصر الأسرة الرابعة وبالتحديد عصر الملك خفرع. إن كل الآراء الغريبة وخاصة الأخيرة التي نشرت الشهر الماضى عن طريق غير المتخصصين لا يوجد دليل واحد يؤكدها، ولذلك لا أجد غير أنهم يريدون الشهرة من خلال نشر ادعاءات لا أساس لها من الصحة.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أبوالهول» المفترى عليه «أبوالهول» المفترى عليه



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab