هكذا ترد إيران على حرب غزة

هكذا ترد إيران على حرب غزة

هكذا ترد إيران على حرب غزة

 عمان اليوم -

هكذا ترد إيران على حرب غزة

بقلم : نديم قطيش

الذين كانوا يتوقعون أن حرب غزة هي فرصة إيران لتنفيذ وعيدها بإنهاء إسرائيل من الوجود، فوجئوا بحجم الانضباط الإيراني وقدرة النظام على هضم الإحراج الهائل الذي يعانيه في عيون أجنحته المتشددة في الداخل وحلفائه في الإقليم قبل عيون خصومه.

فحتى إشعار آخر، لن تدخل إيران في حرب إقليمية مباشرة، رداً على الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على غزة، في أعقاب هجوم «حماس» يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول). ببساطة شديدة، إيران ليست معنية بالمشاركة العسكرية في الحرب، بقدر ما تصب جل تركيزها على استثمار الحرب لتعزيز موقعها على رقعة النفوذ في الشرق الأوسط. وإذا تركنا جانباً التصريحات النارية للمسؤولين الإيرانيين ولبعض قادة الميليشيات الحليفة لها، سنكتشف أن الواقع على الأرض يشير إلى لعبة إيرانية أكثر دقة، تهدف إلى تعزيز سيطرة طهران في مجال نفوذها، وتحديداً العراق ولبنان واليمن، مع تجنب مخاطر أي حرب شاملة.

في حين تركز اهتمام المراقبين على خطاب زعيم ميليشيا «حزب الله» حسن نصر الله، جاء التطور الأهم من العراق؛ فقد أمر رئيس أركان «الحشد الشعبي» عبد العزيز المحمداوي «أبو فدك»، الخميس الفائت، برفع حالة الإنذار القصوى، في صفوف الحشد «استعداداً للتعامل مع أي طارئ خلال الأيام المقبلة». تجاوز هذا الإعلان رئيس «هيئة الحشد الشعبي» فالح الفياض، وتجاهل الهرمية العسكرية والإدارية التي تربط الحشد بالقائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بل إن أبو فدك استعمل عبارة «نحن دولة» في معرض توجهه لقادة تشكيلات الحشد، وهي العبارة التي تختصر كل مظاهر الصراع الدفين بين مؤسسات الدولة العراقية وبين الميليشيات التابعة لإيران والساعية لتعزيز مشروعيتها داخل النظام وهيمنتها على قرار الدولة بالكامل، لا بالشراكة حتى مع أصدقاء إيران.

وبموازاة الخطاب الخطير وغير المسبوق للحشد، أعفى رئيس الحكومة العراقية رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق أول الركن عبد الوهاب الساعدي وقائد عمليات بغداد الفريق الركن أحمد سليم، من مهماتهما، وعيّن بدلاً منهما الفريق الركن كريم عبود محمد رئيساً لجهاز مكافحة الإرهاب (وهو مقرب من عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي)، واللواء الركن وليد خليفة مجيد قائداً لعمليات بغداد (وهو محسوب على كتائب «حزب الله».

ويرى مراقبون عراقيون ومسؤولون سابقون أن تحركات المشهد العراقي في الأيام الأخيرة تشير بما لا يدع مجالاً للشك أن استراتيجية إيران بعد حرب غزة هي تعزيز نفوذها داخل العراق بشكل غير مسبوق، والدفع قدماً بمن لا تشوب ولاءهم لإيران أي شائبة.

يشكل اليمن الساحة الثانية التي تنشط فيها إيران على خلفية حرب غزة، بهدف استعراض موازين القوة، وفرض وقائع جيوسياسية على الأرض، تكون هي الأساس في أي ترتيبات سياسية مستقبلية لمعالجة الأزمة اليمنية؛ فالصواريخ والمسيرات التي انطلقت من اليمن باسم إسناد غزة، واعتُرضت من السفن الأميركية المنتشرة في مياه الخليج، لا تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل، بل توظف لتعزيز معنويات وهيبة ميليشيا الحوثي، والرفع من شأنها في الداخل اليمني، وتقوية مكانتها على طاولة التوازن الاستراتيجي في المنطقة. كما أنها تبعث بالرسائل لدول الخليج تستعجلها على القبول بما صارت عليه ميليشيا الحوثي لا ما كانت عليه في السابق.

عبر إظهار الحوثيين مدافعين عن القضية الفلسطينية، تسعى إيران لنقل هذه الميليشيا من طرف منخرط في صراع داخلي إلى جهة فاعلة على المسرح العربي الأوسع المشحون عاطفياً اليوم، وتأمل أن يُبدد هذا التموضع صورة الحوثي متمرداً يخوض صراعاً على السلطة، ويمنحه دور البطولة في قضية لها صدى عميق لدى الشعب اليمني والمجتمع الإسلامي الأوسع. تعرف إيران أن صواريخ ومسيرات الحوثي القليلة وعديمة الفائدة ضد إسرائيل، ستجد طريقها إلى صدارة عناوين الأخبار الدولية بشكل أسرع وأوسع من أخبار الجهود السياسية الجبارة التي تقودها المملكة لإنهاء حرب غزة عبر الاتصالات السياسية والدبلوماسية، وهي بذلك تريد أن تدخل المملكة في معركة رأي عام معقدة، من خلال تشويه حقيقة الأزمة بين السعودية بوصفها دولة والحوثيين بوصفهم ميليشيات معتدية، وجعلها أزمة بين السعودية وبين «المقاومة» ضد إسرائيل. يمثل هذا التطور تحدياً متعدد الأوجه للسعودية ودول الخليج التي لا يتعين عليها أن تستمر في حماية أراضيها ضد التهديدات الحوثية فحسب، ولكن عليها أن تقوم بذلك من دون أن تظهر هذه الدول في صورة من يواجه «المقاومة»، أو يُضعف الأطراف التي «تواجه إسرائيل»!

في لبنان، جاء خطاب زعيم ميليشيا «حزب الله» حسن نصر الله الأخير واضحاً في سياق استخدام حرب غزة لتعزيز السردية الداخلية حول سلاحه ودور هذا السلاح في حماية اللبنانيين. قال نصر الله بوضوح إن إسرائيل مردوعة تجاه لبنان بسبب سلاحه، ما يعني أنه سيزيد من الضغط لإنتاج معادلة سياسية في لبنان تحمي هذا السلاح ولا تفرط فيه «خدمة لإسرائيل». كل ما طال الحزب من انتقادات بسبب تقاعسه عن نصرة غزة، يمكن هضمه في سبيل تحقيق الهدف الأهم وهو تعزيز مشروعية السلاح لبنانياً.

حرب غزة، بهذا المعنى، وفي ظل فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال، تشكل فرصة ذهبية لإيران لأن تمسك أكثر بلبنان عبر «حزب الله»، ولأن تعيد تكوين سلطة مؤيدة للمقاومة أو أكثر خضوعاً لها.

هذا هو رد إيران على حرب غزة. كأن دماء ضحايا القطاع هي الصمغ الذي تلصق به إيران أجزاء ومكونات محورها، وتعزز تماسكها وهيمنتها على الدول التي توجد فيها.

إن الآثار المترتبة على هذه الاستراتيجية بعيدة المدى، ولا تقل عن إعادة تعريف ميزان القوى في الشرق الأوسط، ضمن نموذج جديد للصراع تكون فيه ساحات القتال سياسية وآيديولوجية بقدر ما هي مادية.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هكذا ترد إيران على حرب غزة هكذا ترد إيران على حرب غزة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab