التقريع الفرنسي للبناني المبتلي

التقريع الفرنسي للبناني المبتلي

التقريع الفرنسي للبناني المبتلي

 عمان اليوم -

التقريع الفرنسي للبناني المبتلي

بقلم : فؤاد مطر

يترك العمل الدبلوماسي في لبنان من جانب سفراء عرب وأجانب مشاعر وجدانية عموماً يعبِّرون عنها في مناسبة انقضاء سنوات عملهم في الدولة التي هي بمساحة إحدى الولايات أو المحافظات في بعض الدول، لكنها من حيث الحيوية السياسية والتركيبة الحزبية والطوائفية تبدو كما لو أنها من الدول الكبرى. واعتاد معظم هؤلاء السفراء تسجيل مشاعرهم في صيغة رسالة وداعية إلى جانب تصريحات في مناسبات عابرة.

وتترك وداعيات هؤلاء التي هي من نوعية الرباعيات الوجدانية لدى بعض الشعراء شعوراً طيباً في نفوس سامعيها أو قارئيها. كما يكون هنالك حرص على التفاؤل خيراً والاهتمام اللاحق من جانب الدولة التي يمثلها السفير.

كان هذا هو ما يحدث إلى أن خرجت السفيرة الفرنسية آن غريو يوم الجمعة 14 يوليو (تموز) 2023 على المألوف، كما على الكياسة، إذا جاز التحديد، وجعلت من كلمتها في احتفال السفارة في القصر التاريخي الذي يعود إلى زمن الانتداب ما يشبه المطالعة من جانب المدعي العام في محكمة يحاول من خلالها إثبات التهمة على المدعى عليه وإنزال العقوبة التي تجعله لا يكرر فعله المبغوض.

وفي حضور رحب تمثلت فيه الدولة والأحزاب وهيئات من المجتمع المدني اللبناني وممثلون عن قيادات أمنية، اغتنمت السفيرة مناسبة العيد الوطني (14 يوليو من العام) المتزامنة مع انتهاء عملها سفيرة لدى لبنان لتفاجئ الجميع بما دونته في وداعيتها التي تضمنت من العبارات البالغة الخشونة ما يتناقض مع رومانسية المرأة الفرنسية عند التخاطب، علما بأن الأحوال العامة التي يعيشها اللبنانيون ولا سيما منذ السنوات الخمس العجاف تؤكد ما قالته السفيرة ربما بداعي ذروة الأسى على لبنان وربما لأن التقريع بات لا بد منه ما دام السعي من جانب حكومتها لحل الأزمة لا يلقى التفعيل المطلوب. ومن عباراتها التقريعية «ما كان ليصبح عليه وضع لبنان اليوم لو أن فرنسا استسلمت، ولو أن التزامها إلى جانبكم بمساعدة دول صديقة تلاشى وتوقَّف؟»، ومن نماذج الأسئلة التي طرحتها «أين كنتم لو أن فرنسا لم تحتضن مع شركائها قواكم الأمنية وأين كنتم لو أن فرنسا لم تحشد جهود المجتمع الدولي ثلاث مرات متتالية لتُجنبكم انهياراً عنيفاً تحت وطأة الإفلاس المالي والانفجار في مرفأ بيروت... ولو لم تهُب لدعم مدارسكم كيلا تغلق أبوابها... ولو أن الشركات الفرنسية قلصت أعمالها وتخلت عن فرق العمل المحلية فيها». ثم تناولت غريو مهمة لودريان وأعلنت أن وساطته «خطوة تهدف إلى جمع بلدان المنطقة والمجتمع الدولي التي ما زالت تهتم بمستقبل لبنان وقد أصبح وجودها نادراً، كما ترمي إلى توفير الظروف الضرورية لإقامة حوار هادئ بين أفرقاء لا يتحدثون مع بعضهم البعض علما بأنه يقع عليهم جميعاً انتخاب رئيس للجمهورية...».

عبارات التقريع من جانب السفيرة المغادِرة جعلتْني أستحضر وداعيات تخلو من هذه الخشونة، من بينها وداعية السفير الفرنسي السالف برونو فوشيه قبل ثلاث سنوات الذي أوجز وداعيته في تغريدة جاء فيها «أحمل معي بعد ثلاث سنوات في بلد مثير ذكرى المواهب التي واجهتها. هذا البلد يجب أن ينجح، إنه يستحق ذلك. أيها السادة السياسيون، انسوا مشاجراتكم... 6000 عام من التاريخ تراقبكم وتحكم عليكم! وداعاً للجميع. أحبكم».

كما أستحضر من باب المقارنة عبارات للتدليل على طبيعة المشاعر وعلى ما في النفوس، في وداعية أحد سفراء الدولة الجارة لفرنسا، كذلك وداعية سفير الصين الدولة الأبعد التي باتت شاغلة بال الكبار وموضع طمأنينة واهتمام العالم العربي بعد التوافق المحترم في الرؤى. فالسفير البريطاني أيان كولارد قال في وداعيته «أنا حزين لرحيلي إذ استمتعتُ كثيراً بتجاربي اللبنانية. قد يكون لبنان صغيراً، لكنه مكتمل التكوين من نواحٍ عدة. يتمتع لبنان بالعديد من المقومات الضرورية للنجاح، ولا سيما الأساس الراسخ في تاريخه الغني والعميق، تستكمله حيوية حديثة وريادة أعمال وقدرة بشرية لا يمكن التغاضي عنها. ومع ذلك، فإن جوهرة شرق البحر الأبيض المتوسط لا ترقى إلى مستوى إمكاناتها. يعاني كثير منكم في ظل استمرار فشل أصحاب النفوذ في لبنان في خدمة مصالحكم - مصالح الشعب اللبناني. تظل أولويات المملكة المتحدة واضحة. الحكومة البريطانية ملتزمة بدعم استقرار لبنان وأمنه...».

وأما السفير الصيني وانغ كيجان فأوجز مشاعره في الوداعية المطولة التي كانت بمثابة كشف حساب بالعبارات الآتية: «لم أشعر بأي غربة رغم وجودي في بلد أجنبي، لأنه خلال فترة إقامتي هنا على مدى ثلاث سنوات، أعيش دائماً في جوٍّ ودّي، إذ قُوبلت بترحيب حار وحفاوة كريمة أينما ذهبت، وكثير من اللبنانيين يحيونني بالكلمة الصينية (ني حاو) (يعني أهلاً وسهلاً بك). قضيتُ فترة إقامتي في لبنان بسعادة وفرح، وقد أرست هذه المشاعر الصادقة والودّية حجر الزاوية بثباتٍ أكبر وبقوة دافعة لعلاقاتٍ قوامها الديمومة بين البلدين، وهي تجسّد أفضل تفسير للقول الصيني بأنّ العلاقات بين البلدان أساسها المودة بين الشعوب...».

قد تكون السفيرة في وداعيتها استحضرت تلك البادرة الطيبة من جانب الرئيس ماكرون الذي زار لبنان مواسيا في كارثة مرفأ بيروت، وكذلك تقمصت التوصيف السائد لدى اللبنانيين وتحديداً جيل أجداد وآباء الحاضر، وهو أن فرنسا هي «الأم الحنون»، حيث تصرفت ضمناً وهي تدون وداعيتها وتلقيها أمام ضيوف حفل اليوم الوطني على أنها هي «السفيرة الحنون». ومَن كان حانياً أو حانية فإن حنوها يجيز لها ما يتجاوز المفردات الرومانسية واعتماد العبارات الكثيرة الخشونة بغرض المحب الذي يريد لشعب بلد أحبه أن يهتدي إلى سواء السبيل. لكن مفردات التقريع رمت بثقلها على المشاعر.

ومن حقنا التساؤل: هل هذا ما يراه الرئيس ماكرون الابن البار ﻟ«الأم الحنون» تجاه الابن الوطن لبنان، أو أن للابنة السفيرة تقييماً مغايراً عبَّرت عنه ﺒوداعيتها التقريعية. والإجابة ستتضح معالمها فيما ستسفر عنه مساعي الدبلوماسي الفرنسي العريق جان إيف لودريان في محطات حراكه بين جدة وبيروت والدوحة. ومثلما أن مَن يتفاءل بالخير يجده، فإن اللبناني المبتلى الذي يكابد ويلات العناد السياسي والحزبي يتفاءل بالحل على أمل أن يتحقق.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقريع الفرنسي للبناني المبتلي التقريع الفرنسي للبناني المبتلي



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab