فاتورة ارتفاع الأمل في الحياة

فاتورة ارتفاع الأمل في الحياة

فاتورة ارتفاع الأمل في الحياة

 عمان اليوم -

فاتورة ارتفاع الأمل في الحياة

د. آمال موسى
بقلم د. آمال موسى

رغم الخيبة التي عاشها العلم أمامَ جائحة «كوفيد - 19» وتداعياتها المادية والنفسية، وما خلَّفته من صدمة حقيقية للإنسانية جمعاء، ورغم مشكلات تغييرات المناخ، فإنه أيضاً في الوقت نفسه، لا يمكن إنكارُ أنَّ متوسطَ عمرِ الإنسان أو المعبر عنه بأمل الحياة عند الولادة، قد عرف نقلةً نوعيةً تثبت أنَّ المنجزَ البشري قد استفاد منه الإنسان من خلال إطالة عمر إقامته في الحياة الدنيا.
وفي هذا السياق، نُذكر بدراسات منظمة الصحة العالمية وتصريحاتها بخصوص ارتفاع متوسط الأعمار بمقدار خمس سنوات منذ بداية القرن الجديد. بل إنَّ متوسط العمر في اليابان بلغ أكثر من 84، وهو متوسط العمر نفسه في سويسرا وأقل بنصف درجة في إسبانيا. وفي تونس تؤكد آخر الأرقام أنَّ أملَ الحياة عند الولادة بالنسبة إلى النساء 83 وللرجل 73.
إذن الأمل في الحياة عرف ارتفاعاً، وهذا في حد ذاته خبرٌ جيد، لأنَّ الإنسانَ بشكل عام متعلقٌ بالحياة ومحب لها، ويخاف الرحيل عنها مبكراً.
ولا شك في أنَّ هذا المعطى يكشف عما قطعه الإنسان في مجال جودة الحياة والاهتمام بالجوانب الصحية.
ولكن هذا الخبر المفرح هو أيضاً مكلف لصناديق التقاعد الاجتماعي. حيث إنه يعني عملياً أنَّ الصندوقَ سيدفع جرايةً للمتقاعد من هنا فصاعداً لسنوات طويلة تتجاوز العقدين. ومثل هذا الواقع الجديد يختلف عمَّا كان عليه الوضع قبل ربع القرن الأخير على الأقل، حيث كان الغالب قصر فترة الحياة بعد سن التقاعد.
من المهم الإشارة إلى أنَّ الأثرَ الماليَّ لارتفاع أمل الحياة تعرفه أوروبا من سنوات طويلة، في حين أنَّ البلدان العربية والإسلامية مثلاً بدأت تستشعره في العشر سنوات الأخيرة أو الـ15 سنة الأخيرة، وهو من الأسباب القوية التي جعلت صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد تعرف أزمة حقيقية، باعتبار أنَّها وجدت نفسها مجبرة على دفع جرايات لمدة أكثر من عشرين سنة، وهي التي كانت في الستينات والسبعينات والثمانينات تقوم بذلك لسنوات معدودة.
وهنا نجد أنفسنا في مواجهة مقاربة لم ننتبه إليها ونحن نعبر عن ابتهاجنا بارتفاع الأمل في الحياة، حيث إنَّه كلما ارتفع الأمل اضطرت صناديق التقاعد في العالم لدفع الجرايات أكثر زمناً.
لذلك فإنَّ موضوع الترفيع في سن التقاعد بات مطروحاً بقوة اليوم، وسيتم طرحه في الدول كافة، لأنَّ ارتفاع أمل الحياة عند الولادة يجب أن يوازيه، حسب مستندات أطروحة الترفيع في سن التقاعد، الزيادة في عدد سنوات العمل.
وهكذا تصبح المعادلة على النحو التالي: تعيش أكثر إذن: تعمل أكثر. لذا فإنَّ متوسط زمن القدرة على العمل سيتغير آلياً.
اليوم يجابه موضوع الترفيع في سن التقاعد رفضاً وتعنتاً، لأنه لم يتم استيعاب التحولات الحاصلة. كما أنَّ الطرح في حد ذاته يفتقد إلى الشرح الموسع الذي يمكن من الفهم والقبول. بل إنَّ التركيز فقط على الوضعية المالية لصناديق التقاعد في غالبية بلدان العالم ليس بالسبب المقنع، لأن المقبل على التقاعد يعتبر ذلك حقه، وهو فعلاً كذلك، مع فارق بسيط؛ وهو أن هذا الحق نظراً لتحولات بعينها، أسهمت في ارتفاع أمل الحياة وهي بذاتها التي حتَّمت التفكير في الترفيه أيضاً في زمن العمل وسنواته.
من سنوات قليلة بدأ الموضوع يفرض نفسه، ونعتقد أن الجميع في الطريق نحو هذا الخيار رغم صعوبات القبول، الشيء الذي يستوجب خططاً اتصالية ذكية وقوية الرسائل، كي يتم فهم أسباب التوجه الجديد لدى صناديق الاقتراع، وعدم الاقتصار على التكلفة المالية فقط، بل الأهم التركيز على تواصل القدرة على العمل واستفادة الأوطان والمؤسسات من هذه القدرة التي يمكن أن تتعرض للهدر، بسبب عدم أخذ نظام التقاعد لمؤشر ارتفاع أمل الحياة عند الولادة.
نفترض أن هناك حلولاً جمَّة يمكن أن تطرحَ فوق طاولة النقاش العمومي في البلدان كافة، بما في ذلك موارد صناديق التقاعد في العالم، التي من المهم أن تبحث في الاستثمار بالأموال التي تتحصَّل عليها من الموظفين والعاملين كي تستطيعَ عندما تعود لحظة استعادة تلك الأموال في شكل جرايات، أن تكون جاهزة دون ضغوطات. كما أنَّ التركيزَ فقط على الترفيع في زمن سنوات العمل، وتصور الحل الوحيد في الترفيع فيها، قد لا يكون دائماً الحل الجيد للجميع، ويمكن أن يكون مانعاً لتحقيق مشاريع تم تأجيلها إلى حين التخلص من ضوابط العمل وصرامته، من حيث الالتزام والتوقيت.
وأنت تفرح بارتفاع الأمل في الحياة، من المهم ألا تنسى تكلفة ذلك.

omantoday

GMT 01:51 2023 الثلاثاء ,05 أيلول / سبتمبر

الذكاء الاصطناعي بين التسيير والتخيير

GMT 02:58 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

الأيام الصعبة

GMT 02:52 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

«بحب السيما» وبحب جورج إسحاق

GMT 02:51 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

فرق توقيت

GMT 02:49 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

السعودية الجديدة... الإثارة متواصلة ومستمرة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فاتورة ارتفاع الأمل في الحياة فاتورة ارتفاع الأمل في الحياة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab