تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة

تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة

تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة

 عمان اليوم -

تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة

بقلم:د. آمال موسى

للفن في الغرب منزلة متميزة، ونجحوا في جعل المنتجات الفنية من الاقتصادات المربحة وذات إسهام كبير في نسب نمو الاقتصادات. فالحديث عن السينما يأخذنا مباشرةً نحو هوليوود التي أصبحت تجسيداً نموذجياً لقوة الفن وسحره وعظمته. لذلك فإن الفن في العالم الغربي صناعة كبيرة ذات أسس ثقافية متينة ومهنية عالية، الشيء الذي جعل أكبر المهرجانات في العالم تبرمج سهراتها وفقراتها قبل سنوات لأن روزنامة مشاهير الفن وكباره مكتظة بالمواعيد، وأيضاً لأن أسس البرمجة ذاتها مرتبطة بالسياحة والمواسم الأكثر استقطاباً وبنظام كامل من الاستثمار المتعدد الأبعاد للأنشطة الفنية والثقافية.

ولما أصبح الفن اقتصاداً مربحاً فإنه أصبح جزءاً من المعارك والحروب بمختلف أشكالها، بل إن اقتصاد الفن والثقافة يسمح بإدارة أخطر الحروب لأنه مجال حروب الأفكار وكتابة الحقائق كما يحلو للسارد أن يصف ويصور.

من جهتنا ورغم كون الأمة العربية والإسلامية من الأمم ذات الحضارة والثقافة، وتعد من الأمم المنتجة لأمهات الثقافة، فإننا لم نعتنِ بالثقافة مورداً اقتصادياً، ولم نولِ الفن العناية اللازمة، والرهان الكبير كي يسهم في التنمية وكي نضمن حضورنا في الجغرافيا الفنية الحضارية في العالم.

ففي هذا السياق يوظِّف الآخرُ الذي أدرك قيمة الفن وجعل منه اقتصاداً كامل الأركان والشروط ومنتجاً للثروة وخالقاً لها، يقوم هذا الآخر من حين إلى آخر، تاريخنا في أعمال فنية أو ثقافية، ويسمح لنفسه بأن يتصرف فيها كما يشاء. بل إنه لا يكلّف نفسه سؤال أهل الذكر من بني جلدة أصحاب ذلك التاريخ. وهنا نتحدث طبعاً عن الجدل الذي يدور حول الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» التي اُختيرت له ممثلة داكنة اللون لأداء دورها، الشيء الذي أثار علماء الآثار المصريين الذين كتبوا تاريخ هذه الملكة واصفين بشرتها بالشقراء. ونفس الشيء يتكرر مع شخصية هنيبعل، القائد الأسطورة، إذ اُختير الممثل دينزل واشنطن لأداء دوره، والحال أن هذا البطل الفينيقي التونسي تصفه كتب التاريخ بأنه أبيض البشرة. وهنا نلاحظ أن المسألة لا علاقة لها بالتمثلات وأن كل ما يتصل بنا وبتاريخنا إنما هي أفكار مغلوطة، أو أن الأمر يتصل بموقف من البشرة السوداء... بالعكس تماماً؛ كل جوهر الموضوع في المعلومات الحقيقية وفي أن الشخصيات التاريخية يراعى في اعتمادها كأبطال لأعمال كل تفاصيلها الواردة في السرديات التاريخية، وذاك جزء أساسي في الأعمال الفنية التي تقوم على التاريخ، أحداثاً ورموزاً. بل إن قيمة أي عمل فني تاريخي هو في دقة البحث الذي قام به كاتب الفيلم ومخرجه. ولكنّ هذه المهنية يُتهاوَن بشأنها عندما تتصل بالعالم العربي والإسلامي، وهو تهاون مدروس ومقصود.

طبعاً يجب ألا ننسى ونحن نتحدث عن أعمال فنية تستند إلى التاريخ أنها تظل قبل كل شيء أعمالاً فنية وللخيال فيها دور كبير، ولكنّ مجال الخيال ليس تغيير لون البشرة ولا المساس بما هو واقعي وحقيقي. فالخيال هو أن يجري التركيز على نقطة ويحوَّل الهامش إلى متن والهامشي إلى جوهري والتوغل فيما أهمله التاريخ. الخيال يتوغل في التفاصيل والخفايا والحميمي الذي سكت عنه التاريخ فتكلم فيه الخيال. لا صلة للتاريخ بتغيير لون البشرة أو غيرها لأنها تدخل في باب البيانات والمعطيات. ودليلنا في ذلك حجم الوقت والجهد الذي يبذله المخرجون وهم يبحثون عن الممثلين الأقرب إلى الشخصية شكلاً، وذلك ليس اعتباطياً، بل لأن الذي يختار التعامل مع التاريخ وشخصياته وأحداثه هناك شروط كي يكون بالفعل عملاً تاريخياً وإلا فهو عمل آخر لا صلة له بالتاريخ. والمعطيات في الأعمال التاريخية شرط نجاح العمل نفسه، وأي معطى خاطئ ينسف العمل، لذلك فإن القيام بالأعمال التاريخية ليس سهلاً ولا كثيرَ التواتر لأن القائمين على العمل الفني التاريخي مكبّلون بالحقائق التاريخية وبالسرديات.

وكما نعلم أن تاريخ الشعوب والأمم مقدَّس في معلوماته، وأي تعامل مع تاريخ البشرية من المهم أن يكون خارج الصراعات السياسية لأن هذا الصراع نهايته الهزيمة وإن تأخرتْ لأنه سيأتي عمل آخر يكشف عنه. كما أن التشويش على أعمال فنية بصدد التنفيذ والتركيز على أخطاء، لا يمكن أن يكون تشويشاً إيجابياً حتى ولو كان المحتجون لا يمتلكون الأبواق الإعلامية التي تصل إلى كل العالم.

هناك نوع من السقوط في توظيف الفن عبر تزييف الحقائق كي يكون الجدل حول لون البشرة لا عن عظمة ذلك الرمز التاريخي ولا عن كيفية تصويره وتسويقه للعالم. إنَّ مَن يهيمن على السوق عامةً يهيمن على سوق الفن أيضاً ويفرض حتى لون البشرة ويغيِّرها.

فهل هو نوع من تحويل وجهة التركيز وإسقاط للنظرة العنصرية؟

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab