تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار

تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار

تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار

 عمان اليوم -

تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار

بقلم : يوسف الديني

 

كثر الحديث اليوم عن التحولات في المنطقة، ليس فقط على مستوى الانتقال من مرحلة المشاريع غير المتجانسة المتجاورة إلى تصارع الآيديولوجيات لا سيما بين النظام الإيراني والكيان الإسرائيلي، بل أيضاً عن محاولة من محور الاعتدال بقيادة المملكة العربية السعودية للاستجابة السريعة لحجم المخاطر ولعب دور التوازن الاستراتيجي عبر مناشدة جميع الأطراف ضرورة خفض مستوى التصعيد وحل جذر الأزمة بضرورة إيقاف الحرب ضد المدنيين في فلسطين.

لكن أحد أهم التحولات الذي لا يتم الحديث عنه اليوم هو التحول في مفهوم «الحرب» وانتقالها من حيّز التكافؤ إلى التكلفة والسمعة واستبدال مفهوم الهزيمة بالقدرة على استقطاب التكتلات الدولية بتوازن حساس مع الداخل، عطفاً على مؤشرات جديدة ليست من بينها تكلفة الضحايا فحسب، وإنما التأثير العام في الاقتصاد والحياة اليومية ومنسوب الأمن إضافةً إلى الصورة الذهنية عن أطراف النزاع.

من هنا يمكن أن نفهم أن كل القراءات غير السياسية، وهذا أكثر الأوصاف حيادية، وقعت في فخ المؤامرة أو وصف ما يجري بمسرحيات ممنهجة بسبب غياب قراءة هذه التحولات في مفهوم الحرب ضمن سياق التلبّس بمفهوم الدولة الوطنية، وما يعني ذلك من استحقاقات في الداخل من الشعور القومي والحفاظ على الشعور بالأمان، وعدم انزلاق الشارع إلى الفوضى، وبين استحقاقات الخارج من الالتزام بموازين القوى خصوصاً العلاقة بالولايات المتحدة والصين وروسيا، أكثر الاكتراث بشكل كبير بالقوانين الدولية وما يمثلها من مؤسسات.

من هنا يمكن أن نفهم تحرك إيران كماً وكيفاً للعب توازن على مستوى الاستحقاقين الداخلي والخارجي من دون أن يكون له أي علاقة بالسابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وإن كان يتم توظيفه عبر الاستثمار في السياق العام للأزمة لا سيما على مستوى تكليف الوكلاء والأذرع، بحكم أن الميليشيات والكيانات المسلحة المرتبطة بإيران لا تتلبس قناع الدولة وليست لها أي استحقاقات داخلية بحكم أنها مهيمنة على سياقها الاجتماعي والسياسي ولها اقتصاداتها المستقلة والموازية، كما أن الكيان الإسرائيلي يشتغل على ذات التحولات باستدعاء دعم الولايات المتحدة غير المحدود في التسليح إضافةً إلى مسألة مهمة تتصل بمنع تمدد الصراع إلى جبهات أخرى والتغطية أو الشرعنة لضربات نوعية من شأنها استهداف «الحرس الثوري» وأذرع إيران. لكن عملية السفارة غيَّرت سياق التحولات إلى سياق جديد أيضاً يتصل باستباحة الداخل لكن بتكلفة بشرية محدودة وعوائد شكلانية ودعائية ضخمة مع ضمان حالة التسخين المستمر لتوتير الحالة الأمنية للمنطقة. ويمكن القول مثلاً خلال أقل من 5 أشهر وجّهت القيادة المركزية في الولايات المتحدة ضربات عسكرية مركّزة وموجّهة ضد الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا واليمن تتجاوز ما تم القيام به خلال السنوات الثلاث من رئاسة بايدن، وذلك ضد ما يتجاوز 200 ضربة تقريباً من أذرع طهران في المنطقة مع بقاء حالة الهيمنة والتهديد والاستهداف بين الطرفين، وهو ما يؤكد نظرية تحولات مفهوم الحرب من زاوية التكلفة على التدمير والدعاية على حساب معالجة الأزمة.

الأكيد أن هناك تساؤلات كبيرة عن أداء المشروعين الإيراني والإسرائيلي، تكشف بشكل كبير لمراقبي ومحللي الأداء المرتبط بقواعد البيانات للضربات والتقييم العسكري. فهناك كثير من الشكوك حول الدعاية الضخمة للقدرة الإيرانية على الردع كما هو الحال في قدرة إسرائيل على تحمل تكلفة الحرب الطويلة اقتصادياً. ومن زاوية الرأي العام بسبب الفشل في أهدافها عدا تدمير واستهداف المدنيين وبشكل حوّل مأساة غزة إلى قضية رأي عام مؤرِّقة في كل مناطق العالم وتنوعاته السياسية والفكرية ومواقفه المسبقة، فما يفرّق الناس اليوم توحِّده صور القتل والتجويع والحصار واستهداف الأطفال والنساء وكبار السن وحتى عمال الإغاثة والعاملين في المؤسسات الدولية.

المشروع الثالث، بين هذه المشاريع التدميرية، والذي يتطلع إلى المستقبل وتعمل عليه دول الاعتدال وفي مقدمتها السعودية، يعيش فرصة تاريخية كبيرة لترسيخ مفهوم الدولة وفضيلة الاستقرار والأمن والتمسك بالمؤسسات الدولية والإصرار على الحلول ضمن نطاق القانون والعدالة، لأنه يدرك أيضاً أن الحرب هي مشاريع تقويضية. فخيار المنطقة الوحيد هو الاستثمار في الاستقرار وهو ما يعبّر عنه نبض الشارع في الأطراف المتنازعة كما ترصده اليوم الآلة الضخمة للمحتوى على منصات التواصل من حديث الشعوب الواقعة تحت حالة اللا استقرار عن التوق لنموذج مختلف لا تتسع فيه الهوّة بين المجتمع والدولة التي من المفترض أن تسعى لرخائه وازدهاره.

omantoday

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين

GMT 08:30 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 08:29 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab