أسئلة الفوضى ومنطق الدولة

أسئلة الفوضى ومنطق الدولة!

أسئلة الفوضى ومنطق الدولة!

 عمان اليوم -

أسئلة الفوضى ومنطق الدولة

بقلم : يوسف الديني

تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية وثقافية وبنيوية غير مسبوقة، تفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة من عدم اليقين والصراعات المركّبة شديدة التعقيد، تتجاوز في طبيعتها المراحل السابقة من اضطرابات.

لم تعد الأزمات محصورة داخل الدول أو بين أطراف متنازعة، بل صارت مشاريع متشابكة تتجاوز الحدود، ويتداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي، وتتنازعها قوى تتقاطع مصالحها وتتضارب أدواتها. ووسط هذا المشهد المملوء بالضجيج والتشظي، تغيب الرؤية الاستراتيجية الواضحة، ويخفت صوت الاعتدال والعقل عدا استثناءات قليلة يتقدمها صوت السعودية ودول الاعتدال، في مقابل طوفان صعود الآيديولوجيات العنيفة والمشاريع التوسعية التي تقوّض السلم الوطني والمواطنة.

عنوان المرحلة العريض: الولايات المتحدة تعود بقوة إلى المنطقة، عبر عسكرة مكثفة، من خلال إرسال حاملات الطائرات ومضاعفة انتشارها البحري في البحر الأحمر. هذه العودة ليست مجرد إجراء وقائي ضد ميليشيا الحوثي، بل امتداد لمقاربة «الضغط الأقصى» التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي جمعت بين العقوبات الاقتصادية الهائلة والردع العسكري الصارم والدبلوماسية المشروطة. فقد شهدت هذه المقاربة استخداماً مركباً للأدوات السياسية والعسكرية والدبلوماسية؛ لتفكيك المشاريع التي تريد الهيمنة على المنطقة وإضعافها، لكن من دون الحديث عن مرحلة «اليوم التالي»، كما هو الحال في مقاربة إسرائيل التي فاقمت من تعقيد المشهد بسبب ممارساتها الوحشية تجاه غزة والمدنيين، وليست الفصائل المسلحة أو «حماس».

تشير تحليلات مراكز الأبحاث وصناع السياسات في واشنطن إلى أن هذه المقاربة ركزت على منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وفي الوقت نفسه ضرب أذرعها في المنطقة من «حماس» إلى «حزب الله» وصولاً إلى ميليشيا الحوثي، مع تقويض قدرتها على تمويل شبكاتها غير الحكومية. والهدف الأساسي يتمثل في مظلة دفاعية إقليمية بقيادة الولايات المتحدة، لاحتواء التهديدات من الجو والبحر. وقد أدى ذلك إلى تراجع ملموس لاستخدام هؤلاء الوكلاء لفرض معادلة ردع جديدة، وبدء مرحلة انكفاء وإعلان عدم المسؤولية؛ للنجاة بالذات، واقتراح مفاوضات محتملة.

لكن رغم هذه الضغوط، فإن خطر التقدم النووي لا يزال قائماً؛ فإيران رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى درجات مقلقة تقترب من العتبة النووية، وأجهزتها النووية باتت أكثر تطوراً، بينما الرقابة الدولية تتآكل. لذلك لابدَّ من وجود استراتيجية واقعية تجاه إيران والاستثمار في الدبلوماسية، لإقناعها بأن تستجيب للمطالب الدولية ومعالجة الملف النووي.

في مقابل هذه المقاربة متعددة الأدوات، تعاني المنطقة العربية في شقها المضطرب من غياب رؤية موازية، تتجاوز ردود الفعل، وتعيد بناء الدولة الوطنية على أسس صلبة. إذ لا يمكن الانتصار في معركة الاستقرار الحقيقي بمجرد سقوط نظام أو تحالفات الضرورة، ما لم تترافق مع مشروع طويل الأمد يُعيد تعريف الهوية الوطنية، وينزع الآيديولوجيات المتطرفة التي جعلت من الدين والطائفة والمقاومة ذرائع لهدم الدولة. الانتصار الحقيقي هو في تفكيك هذه المشاريع التقويضية العابرة للحدود، التي تتغذى على المظلومية وتعيد إنتاج الفوضى باسم الثورة أو المقاومة أو العقيدة، ويمكن القول هنا ببساطة بضرورة الاستفادة من «مشروع الاستقرار الكبير» الذي تقوده السعودية ودول الاعتدال ليس على مستوى التصريحات وإنما باستلهام التجربة.

من اليمن إلى سوريا إلى لبنان، تتكرر القصة نفسها: جماعات مسلحة، مؤدلجة، مرتهَنة إلى قوى خارجية، تؤثر على صناعة القرار، وأحياناً ما تبتز منطق الدولة، وتخنق المجتمعات بشعاراتها. ولا يمكن الخروج من هذا النفق ما لم يتم ترسيخ مشروع المواطنة، والتنمية وتحرير الدولة من قبضة الطائفية، وربط التنمية بالاستقرار، بعيداً عن منطق المحاور والتبعية كما هو حال الشعارات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع.

إسرائيل معضلة إضافية في منطقة فقدت المنطق، إذ تستثمر في هذا الفراغ لتعزيز هيمنتها عبر قوة عسكرية غير مقيدة، وانتهاك صارخ للقانون الدولي، من دون محاسبة حقيقية. العدوان الإسرائيلي على غزة، وحصار الضفة، يجريان من دون تأثير دولي، ومع تحيّز أميركي لا تخطئه العين. هذا التواطؤ لا يضرب فرص السلام فحسب، بل ينسف الثقة بالنظام الدولي، ويمنح المبرر لثقافة التطرف والعسكرة والعدمية السياسية، ومن شأنه إذا طال أمده أن يُدخل المنطقة في دوامة عنف لا تنتهي، وهذا ما حذرت منه السعودية في بياناتها المتكررة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية.

الشرق الأوسط بحاجة ماسة إلى مشروع عقلاني بديل، يُعيد الاعتبار للدولة، ويُحْيي صوت الاعتدال، ويمنح الأولوية للتنمية على حساب العسكرة، والمواطنة على حساب الآيديولوجيا، والكرامة الإنسانية على حساب الشعارات.

ما لم يحدث ذلك، فإن هذه التحولات الكبرى، رغم ما تخلقه من فرص لتفكيك مشاريع العنف، قد تنقلب إلى فوضى شاملة إذا لم تجد من يملأ الفراغ برؤية متوازنة وقيم عصرية عادلة. ويبقى السؤال الأهم: هل تمتلك المنطقة والقوى المؤثرة فيها الإرادة لصياغة هذا المشروع من دون تركه للارتجال الأميركي أو الصلف الإسرائيلي؟ هذا سؤال الأسئلة.

 

omantoday

GMT 20:15 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات كبرى تقرّر مستقبل الشّرق الأوسط

GMT 20:12 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لا تعزية حيث لا عزاء

GMT 20:11 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

GMT 20:10 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

خرافات العوامّ... أمس واليوم

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسئلة الفوضى ومنطق الدولة أسئلة الفوضى ومنطق الدولة



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 05:13 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

سيطر اليوم على انفعالاتك وتعاون مع شريك حياتك بهدوء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 04:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تتهرب من تحمل المسؤولية

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 20:52 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 19:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 04:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:52 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 00:00 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 04:28 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon