المعلقون

المعلقون

المعلقون

 عمان اليوم -

المعلقون

بقلم : محمد الرميحي

كان في ذهني أن أكتب عن «المحللون»، ولكن خوفي من الالتباس الذي قد يقع فيه القارئ بين قصدي بالمحلل وهو الشخص، رجل أو امرأة، يقوم بالتعليق على أحداث مهمة تقع في العالم «كالحروب والأزمات» في جريدة أو إذاعة أو شاشة تلفاز، أو في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، و«المحلل الشرعي» في حالات الطلاق والزواج. كنت قلقاً من الالتباس ذاك، فقدمت كلمة «المعلقون»، ولكن سرعان ما اكتشفت أن الفروق قليلة بين «المعلق» و«المحلل»، فكلاهما يعمل في المنطقة الرمادية من العلاقات الإنسانية.

يتكاثر المعلقون في أوقات الأزمات، ويعطوا القارئ أو المستمع أطناناً من المعلومات والتي هي في الغالب من نسج الخيال. لدي تجربة شخصية عمرها الآن أكثر من ثلاثة عقود، وهي تجربة احتلال وتحرير الكويت عام 1990 - 1991 وكانت مرحلة في التاريخ عصيبة عربياً وخليجياً، وقتها كانت التلفزيونات والجرائد هي وسائل الإعلام السائدة، وقد انبرى كثير من المعلقين فيها يقولوا لمن يريد أن يستمع أو يقرأ آراءهم فيما يحدث، وكان كثير منهم من الأسماء اللامعة وقتها «صحافياً وعسكرياً» وكنا نحن المتلقين نشعر بالغصة عندما نجد أغلبهم يعتبر «أن ما حصل قد حصل» وأن الأمور لن تعود إلى سابقها، وأن الكويت «قد ضاعت» مع تحليل «شبه مقنع» أن الدول سوف تنسى الأمر وتنشغل بأولوياتها الاقتصادية والسياسية، قيل ذلك من أشخاص كانت لهم سمعة مهنية كبيرة! كانوا يقرأون الحدث من منظور «العاطفة» وليس «الواقع»!

نعود اليوم في حرب غزة إلى المربع نفسه، نسمع من محللين عرب أن «الرأي العام الغربي» قد انقلب ضد إسرائيل، أو أن إسرائيل على وشك السقوط والهزيمة، وأن قتلى إسرائيل بالآلاف ولكنها «لا تعلن ذلك»! إلى أن «إسرائيل منشقة على نفسها في الداخل» إلى آخر مثل ذلك الكلام الذي يجري على قلوب المستمعين العرب مجرى الماء البادر في صيف ساخن. كل ذلك مع الأسف بعيد عن الحقيقة، وربما يدخل ضمن «التضليل الإعلامي» بقصد أو دون قصد، ويبتعد عن شرح الواقع كما هو لا كما يجب أن يكون.

موازين القوى في هذه الحرب غير متكافئة، وأهل غزة محاصرون ويسقط منهم كل يوم عشرات الشهداء، ولا غذاء أو ماء صالح للشرب، أو حتى أدوية لمعالجة جرحاهم، إنها مذبحة بشرية كاملة الأركان، وكل المناصرة هي «كلامية» في الغالب، أو إنسانية في حدها الأعلى، فالحديث عن «انتصار» من جهة و«انكسار» من جهة أخرى هو حديث مخادع، يعظم الآمال حتى يكون بعدها الإحباط بالغ الشدة والحسرة، كما الحديث عن تعاطف دولي يؤثر في مجرى الأحداث، هو تمنيات أكثر منه واقع، فالغرب السياسي لا يلتفت إلى تلك المذابح لأسباب سياسية وتاريخية.

إذاً يتعرض المستقبل العربي لحملة من التأثير والتخدير، حتى ينتهي الأمر بسقوط عشرات الآلاف من الضحايا وتحويل غزة إلى أنقاض. أين المشكلة؟ المشكلة هي أننا في عصر يجري حثيثاً فيه تزوير التاريخ، والذين لا يقرأون الحاضر كما هو، يصعب عليهم مواجهة المستقبل، عدم فهم «العدو» الذي عمق «عقلنة التوحش» وباعها على العالم، وفي بلاد يولد الفلسطيني فيها منكوباً من الصرخة الأولى، والاستعاضة عن ذلك الفهم بالشعارات والتمنيات هو المقتل، فلم يكن الصف الفلسطيني موحداً وقادراً على اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب في مواجهة عدوه في يوم من الأيام، وما زال صفه متشرذم ومتفرق، كما أن حساب الأنصار والمؤيدين الفاعلين على الساحة الدولية لم يكن دقيقاً ولا محسوباً.

إن المعركة معركة سلاح وتقنية وعدة وعتاد وأيضاً فكر وسياسة، فالرهان على رأي عام عالمي واضح أنه لم يتحقق، كما أن الرهان على عدد الأسرى من الإسرائيليين، وأنه سوف يخضع الطرف المقابل للتفاوض لم يتحقق، ولا حتى الضغط الداخلي في إسرائيل من قبل أهالي الأسرى قد نجح في الضغط باتجاه وقف إطلاق النار، فالمذبحة مستمرة تدخل شهرها الثالث.

الأقرب إلى التوقع أن هذه المعركة التي نشهد قد تكبر قبل أن تصغر، وأن نتائجها كارثية على الإقليم ككل، والقائمون عليها ليس لديهم حتى الساعة «استراتيجية خروج» ذلك هو المشهد الواقعي المعقد، بعيداً عن تخرصات «المحللين»!

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعلقون المعلقون



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 16:53 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab