أوروبا وصعود اليمين المتطرف

أوروبا وصعود اليمين المتطرف

أوروبا وصعود اليمين المتطرف

 عمان اليوم -

أوروبا وصعود اليمين المتطرف

بقلم :ناصيف حتّي*

من أهم السمات السياسية في القارة القديمة الصعود الكبير لليمين المتطرف؛ صعود يعكس ويقتات أو يوظّف تحديات وأزمات أساسية تعيشها أوروبا في جميع المجالات؛ من السياسي إلى الأمني إلى الاقتصادي والاجتماعي، خدمة لخطابه. يأتي هذا اليمين بأجوبة تستند إلى قراءة أو رؤية تبسيطية أو تآمرية أو أحادية لمعالجة هذه التحديات. يعبر عنها في خطاب شعبوي يستند إلى الشعارات. كما يعكس هذا الخطاب رؤية فوقية وعنصرية تقوم على الخوف والتخويف من «الآخر»، حتى لو كان شريكاً في الوطن، على أساس العرق والدين واللون والأصول بشكل أساسي. خطاب يصلح للتعبئة في العملية السياسية على كلّ المستويات، ولكن لا يقدم أجوبة فعلية وعملية للتحديات القائمة. ظهر صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي، وذلك من خلال حصوله على كتلة كبيرة؛ نسبةً إلى ما كان يملكه من قبل. كما ظهر أيضا من المكاسب الانتخابية التي حققها في الانتخابات الوطنية في كل من فرنسا وألمانيا، وهما الدولتان اللتان تشكلان القاطرة الأساسية في مسار البناء الأوروبي. من مظاهر صعود اليمين المتطرف أيضاً وصوله إلى السلطة التنفيذية في كل من إيطاليا والمجر. كما أنه صار شريكاً أساسياً في تحالفات يمينية حاكمة في كل من هولندا وفنلندا وسلوفاكيا، وداعماً أساسياً للحكومة اليمينية في السويد. كلها مؤشرات أساسية على التحولات الحاصلة في الخريطة السياسية الأوروبية.

مجالات أربعة رئيسية مترابطة بشكل أو بآخر بالطبع يحملها هذا الصعود:

أولاً: يشكل مقاومة شعبية سياسية قوية ضد عملية البناء الأوروبي التي أُصيبت بتعثرات لأسباب عديدة، منها التوسُّع المتسارِع عبر ضمِّ أعضاء جدد والخلافات حول الأولويات في مسار البناء الأوروبي وتوزيع التكلفة في تقدم هذا المسار. أضِفْ إلى ذلك بالطبع ازدياد ردود الفعل عالمياً ضد مسارات العولمة المتسارعة في مجالات مختلفة، من الحفاظ على الهوية والاستقلالية الوطنية إلى حماية الاقتصاد الوطني في وجه حرية السوق، ومحاولة إسقاط جميع الحواجز أمام هذه الأخيرة. كلها عناصر تدفع نحو إقامة العديد من الحواجز مختلفة الشكل والصيغة؛ الأمر الذي يبطئ مسار البناء الأوروبي في مختلف المجالات التي يعنى بها هذا المسار.

ثانياً: يشكل هذا التيار إحدى نقاط المقاومة الأساسية ضد التمسُّك من جديد بمفهوم الحلف الغربي سياسياً بعد انتهاء الحرب الباردة، وإعادة إحيائه، خصوصاً في الشق العسكري الاستراتيجي، عبر إحياء دور حلف شمال الأطلسي مع الحرب الأوكرانية؛ فالتيارات اليمينية المتطرفة، وليست وحدها في هذا المجال، تقاوم هذا التوجه الذي رأيناه سابقاً مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب العائد من جديد للرئاسة. مفهومها للأمن الوطني لا يندرج ضمن مفهوم الأمن الجماعي الغربي في السياسة والاستراتيجية بل هو قائم على الأحادية التي تعبر عن المصلحة الوطنية، كما يحددها كل من هذه القوى. نرى ما يجمع بينها طبيعة الانفتاح على روسيا الاتحادية والتحفُّظ على السياسة الأوكرانية للحلف الغربي؛ فالأولويات في العلاقات الخارجية لا تندرج كلياً في الإرث والمفاهيم الحاكمة والناظمة للمصلحة الوطنية كجزء لا يتجزأ من المفاهيم والأسس التي قام عليها الحلف الغربي بشكل عام.

ثالثاً: المسار الذي يتمسك به هذا اليمين المتطرف يدفع لتأزم العلاقات أو في أدنى حد للوصول إلى برودة في العلاقات مع دول الجوار المتوسطي في عمقها العربي والأفريقي. قد تكون هنالك لحظات تتعلق بقضية أو سياسة معينة تحملها أو تمثلها إحدى دول الجوار القريب أو البعيد، تؤدي إلى تعاون في مرحلة أو قضية. لكن نظرة هذه التيارات المتشددة إلى مجتمعات وشعوب ومنظومة القيم المختلفة عند هذه الدول في «العالم المختلف» في الهوية بمختلف أوجهها عن هوية هذا اليمين المتشدد لا تسمح للأخير بالعمل على صياغة علاقات تعاون وشراكة تتعدى السياسي المباشر لتطال المجتمعي الشامل الذي يبقى الأساس لصياغة علاقات تعاون وتفاهم بين مختلفين في التاريخ والانتماء الهوياتي متعدد الأشكال. النظرة الفوقية التمييزية تجاه الآخر لا تسمح بإقامة علاقات تفاعل طبيعية شاملة، وفق هذه التيارات، مع ذلك الآخر. فالاختلاف في الهوية، كما أشرنا، عند هذه القوى، ليس مصدر تنوع وإغناء لحوار مستمر في الحياة، بل مصدر اختلاف وتوتر وتمايز تحكمه نظرة فوقية عند هذه القوى.

رابعاً: منظومة القيم المجتمعية لهذه القوى على تنوّعها، التي يجمع بينها الخوف والتخويف من الآخر المختلف تؤسس لعلاقات توتر دائم في مجتمعاتها الوطنية مع ذلك «الآخر» المختلف، ولكن الشريك في الوطن. فالاختلاف لا يكون مصدر غنى للوطن ما دام لا يقوم على المساواة والاحترام، بل مصدر خلاف مستمر في الوطن ذاته.

ذلك كله، إلى جانب التحديات المتعددة، من استراتيجية وسياسية واقتصادية في أوروبا وفي جوارها بالطبع، يساهم في إعاقة مسار البناء الأوروبي، وبالتالي في تحول أوروبا إلى قطب دولي وازن وفاعل في نظام عالمي ما زال في طور التشكل، ولم تستقر قواعده وسماته كلياً حتى الآن.

 

omantoday

GMT 20:06 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

ترامب في البيت الأبيض... رجل كل التناقضات والمفاجآت!

GMT 20:05 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

شرور الفتنة من يشعلها؟!

GMT 20:04 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

الإسلام السياسي.. تَغيُّر «الجماعات» و«الأفكار»

GMT 20:03 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 20:02 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

برّاج في البيت الأبيض

GMT 20:01 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

المخرج الكوري والسعودية: الكرام إذا أيسروا... ذكروا

GMT 20:00 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

الاستعلاء التكنوقراطي والحاجة إلى السياسة

GMT 19:58 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مخاطر مخلفات الحروب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا وصعود اليمين المتطرف أوروبا وصعود اليمين المتطرف



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ عمان اليوم

GMT 19:14 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

البحرية السلطانية العُمانية تستقبل دفعة من الجنود المستجدين
 عمان اليوم - البحرية السلطانية العُمانية تستقبل دفعة من الجنود المستجدين

GMT 20:08 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

تطوير أدوية مضادة للفيروسات باستخدام مستخلصات من الفطر

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:13 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

سيطر اليوم على انفعالاتك وتعاون مع شريك حياتك بهدوء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab