جنون الفلاسفة وأحلامهم وأوهامهم

جنون الفلاسفة وأحلامهم وأوهامهم

جنون الفلاسفة وأحلامهم وأوهامهم

 عمان اليوم -

جنون الفلاسفة وأحلامهم وأوهامهم

بقلم : فهد سليمان الشقيران

من السهل أن تسحر الكتب المتعلّقة بالذات وتطويرها، وأسرارها، أو عاداتها، القارئ، وتحديداً حين يتعلّق الأمر بالعبقرية وعلاماتها، أو اتصالها بالجنون وغرابة الأطوار، وآية ذلك أن قراءة نماذج العباقرة الذين لديهم مسّ غرابة الطور تجعلهم يكبرون في أعيننا، ولو تصفّحنا النماذج المبثوثة في ثنايا تلك الكتب والصفحات، سواء كانت فان جوخ أو أينشتاين، أو ماكسويل أو نيتشه أو حتى ديكارت الذي قيل، إنه كان يظنّ أن دجاجةً تبقبق في بطنه، كل تلك الأمثلة لا تدل على أنموذجٍ دائم، فالكثير منهم لم تمسّه غرابة الطور إلا بعد أن اكتمل إنتاجه. غير أنها لم تكن محايثةً للإنتاج أو مضارعةً له، من هنا يكون الفرق هائلاً بين العبقرية بوصفها إمكاناً وبين الاتصال بين العبقرية والجنون بوصفه السحر أو المشهد الجاذب أو القصة الأسرة، وأعرف الكثير من الكتب الخفيفة التي تُباع على أنها لاكتشاف العبقرية داخل الذات أو إطلاق المارد النائم الكامن الساكن في داخلك، وسواها من كتب بيع النجاح و«بزنسة» السير و«تطقيم» العباقرة و«تعليب» الذوات.

الاضطراب النفسي أو غرابة الطور تأتي ضمن سياقٍ نفسي وليست ضمن سياقٍ علمي. الكثير من العباقرة والمبدعين لم يحتاجوا إلى أن يكونوا غرباء أطوار أو أن تمسّهم لوثة الجنون. الفكرة أن السذاجة الحماسيّة أو الضغط يقود إلى تحويل المبدع إلى مجنون، أو مشاغب أو غير مفهوم، وهذه مبالغة أسطورية لا قيمة علمية لها. يكتب «هابرماس» في نصه: «كيف نفكر مع هيدغر ضد هيدغر»: «العبقرية لا يمكن أن توجد من دون نوعٍ من اللبس، ربما كان هيغل على حقٍ عندما فكر في أن الأفراد الذين يتجسّد فيهم التاريخ الكوني لا يمكن أن نحكم عليهم انطلاقاً من المعايير الأخلاقية». رأى هابرماس أن اللبْس قد يساعد في فهم العبقرية لكنه ليس سبباً لها، ذلك أن العبقري لم يبدع لأنه ضمن لبس أو غموض بل لأنه ضمن ضخ إبداعي ومعرفي أو فني. من هنا نرى في الضخّ التربوي أو المتاجر التدريبية عناصر كثيرة من المبالغة والغش في طرح السير، وكأن كل إنسانٍ يحضر هذه الدورة أو تلك عليه أن يكون غريباً في أطواره فيقطع أذنه كما فعل جوخ. ولو أخذنا المجتمعات المبدعة حالياً لرأينا أن نسبة الجنون والأمراض النفسية والغرابة في الأطوار والعته الذهني والذاتي عندها أقل منها عندنا.

الخلاصة، أن الفلسفات لم تحتاج إلى عبقري لينهض بها، بل إلى أناس طبيعيين، فلا صحة لهذا التطقيم السيري والتطقيم الثقافي الذي تنضح به الدورات وبعض الكتيبات الشعبية، بدليل أن معظم الفلاسفة العرب كتبو نظرياتهم بطريقة طبيعية وحتى فلاسفة الغرب كتبوا فلسفاتهم وهم بصحة عقلية جيدة إلا قلة منهم من أصيب بالجنون أو جرفته حالات النسيان، وسبب هذا المقال كثرة التدوير «السوشيلي» لجنون نيتشه أو عبثية ألبير كامو، أو نزق شبنهور، وكل هذا يحدث في طبيعة الحياة البشرية، والهدف من كل هذه الأقاويل محاولة مخطط لها بغية تضعيف الإقبال على الفلسفات والعلوم التي نحن بحاجةٍ ماسة للاستزادة منها.

*نقلاً عن "الاتحاد"

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنون الفلاسفة وأحلامهم وأوهامهم جنون الفلاسفة وأحلامهم وأوهامهم



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab