دروس لبنانية كيف يُشرّع نهب المستقبل

دروس لبنانية: كيف يُشرّع نهب المستقبل؟

دروس لبنانية: كيف يُشرّع نهب المستقبل؟

 عمان اليوم -

دروس لبنانية كيف يُشرّع نهب المستقبل

بقلم:حنا صالح

أدى عدم تأمين نصاب الجلسة البرلمانية الخميس الماضي إلى عدم انعقادها، ما علّق مخطط تشريع نهب المستقبل، وإقرار عفو عن الجرائم المالية بحق لبنان وأكثرية اللبنانيين، من خلال قانون «كابيتال كونترول» تم تفصيله على مقاس الكارتل المصرفي!

في بلدٍ طبيعي، كان المأمول انعقاد اللجان النيابية ذات الصلة، والهيئة العامة للبرلمان لمناقشة تقرير «التدقيق الجنائي» بوضع مصرف لبنان، بعدما نُشر النص وتظهّر جانب من الارتكابات. خصوصاً أن مؤسسة التدقيق «ألفاريز آند مارسال» تحدثت عن حجب معطيات بينها شطب أسماء عن عمليات تحويل مشبوهة إلى الخارج! كان على البرلمان أن يستنفر بعدما تأكد أن الفجوة المالية تفوق الـ100 مليار دولار، وهي وفق التدقيق نتيجة سياسات افتقرت إلى الشفافية، وهزال المجلس المركزي؛ نواب الحاكم ومديري المالية والاقتصاد، وتخاذل مفوض الحكومة عن واجبه، وتواطؤ وزراء المالية، فتم تمرير ميزانيات وهمية، تضمنت تلاعباً بالأرقام وانعدام المعايير المحاسبية، وتوزيع أرباح غير محققة، وهندسات مالية مشبوهة... إضافة إلى تمويل نافذين وتوزيع «عطايا» وتنفيعات ارتكزت على اختلاس مالٍ عام وإثراء غير مشروع وغسل أموال!

في بلد طبيعي، كان ينبغي على مجلس الوزراء أن ينقل «جميع المعلومات الواردة في التقرير إلى القضاء وإضافتها إلى ملفات التحقيق»، وفق المطالبة الخطية التي تقدم بها سعادة الشامي نائب رئيس مجلس الوزراء، لأن في ذلك مدخلاً لرسم إطار إعادة الأموال المهربة لما فيه مصلحة اللبنانيين والمودعين خصوصاً. غير أن التحالف المافيوي المتسلط، الذي دشن نظامه التحاصصي قبل أكثر من 3 عقود بقانون العفو عن جرائم الحرب، أهمل «التدقيق الجنائي» رغم المخطط الإجرامي. تعامى عن جريمة إفلاس المؤسسة النقدية الأم، التي تشارك بالمسؤولية عنها «ساسة ذوو نفوذ، ومصرفيون ووسطاء ماليون ونخب قانونية وقضائية وإعلامية مرتبطون ببرجوازية الفساد»... «شراكة مع الياقة البيضاء للجريمة المنظمة» (كل ذلك وفق «التدقيق الجنائي»)، فاعتمدت نظرية عفّى الله عما مضى، ومحاولة قوننة نهب المستقبل؟

على مدى أربع أو خمس سنوات مضت، شكلت الودائع المصدر المحوري للتمويل بالدولار. المليارات وهي جني أعمار أجيال من المواطنين تم هدرها ونهبها واستخدامها في خدمة سياسات دعم عشوائي أثرت المحتكرين والقوى السياسية الطائفية خلفهم، كما عززت التهريب الذي كان من حصة ميليشيا الدويلة والميليشيات عبر الحدود. وشكلت الأموال المهربة إلى الخارج بنداً أساسياً، فيما الأرباح غير القانونية عبر منصة «صيرفة» تجاوزت الملياري دولار لتخلق شريحة من الأثرياء الجدد، فضلاً عن تمويل مصارف مفلسة وكارتل مصرفي من المرابين.

كل ذلك كان يمكن الحد منه، لو تمّ على الفور إقرار «كابيتال كونترول» في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019، كي تؤمن إدارة مرحلية للسيولة بالعملة الأجنبية، تسهل تصحيح ميزان المدفوعات وبدء الخروج من الأزمة من خلال تحفيز الإنتاج والتصدير، كما منع الاستنسابية في التعاطي مع المودعين والودائع! غير أن ما حصل كان أشبه بتعمد القضاء على فرص الإنقاذ، ثم تثبيت نظام «الإفلات من العقاب» مع السعي لإقرار متأخر لـ«كابيتال كونترول» يخدم المصارف!

لتوضيح الصورة لا بد من التنبه إلى أن المادة 112 من هذا القانون تمنح مصرف لبنان والمصارف عفواً مالياً عاماً عن كل ما حصل قبل وبعد ثورة «17 تشرين» 2019، من تقييد للودائع والتوقف عن الدفع والهيركات اللاقانوني... كما تمنع المادة إياها كل أشكال المحاسبة عبر «تعليق تنفيذ جميع الأحكام والقرارات القضائية القابلة للتنفيذ في لبنان والخارج، التي صدرت ولم تنفذ والتي ستصدر». وهكذا عبر قانون فاسد يتم تبرئة ذمة المصارف وتُطوى صفحة أكبر الجرائم المالية التي دمّرت النقد والاقتصاد وحياة اللبنانيين!

العفو عن الجرائم المالية، إسوة بالعفو عن جرائم الحرب، يكتمل بالمضي بخداع اللبنانيين بكذبة «الصندوق السيادي» في إصرار على بيع الأوهام للناس بأن لبنان عشية التنقيب عن النفط والغاز، وأن لبنان بات «بلداً نفطياً» والثروة آتية... فيما حقيقة ما يجري أن نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي الذي يعلم أنه إن وجدت احتياطات نفطية قابلة للاستخراج والتسويق فذلك لن يكون قبل عام 2033، فإن هدفه الفعلي تشريع القانون الذي يتيح نهب المستقبل، بعدما يكون قد مرر براءة ذمة عن نهب الماضي والحاضر!

خطورة المشروع الذي عُلِّق ولم يطوَ أنه يربط المتوقع من العائدات بالدين العام. في كل الدول التي أقامت صناديق سيادية بعد فترة من بدء الاستثمار والتسويق ربطت العائدات بمصلحة الأجيال المقبلة، فيما منظومة الفساد المتسلطة قدمت مشروع قانون يربط بين العائدات المرتقبة ودين القطاع المصرفي، أي إعادة تمويل النافذين والمصرفيين والميليشيويين الذين نهبوا الودائع بعد السطو على واردات الدولة، فيكون صندوقهم محصناً بقانون فاسد سداه ولحمته تغطية مخطط نهب المستقبل! لقد أناط مشروع قانونهم للصندوق السيادي بالناهبين لإدارة العائدات والتحكم بما ينبغي أن يكون ثروة الأجيال!

مرة أخرى ما كان ممكناً لهذا الانفلات الفج بالذهاب إلى محاولة قوننة الفساد، لولا تعطيل السياسة وإشغال اللبنانيين بلقمة العيش وحبة الدواء ودفعهم قسراً إلى مواجهات جانبية، أياً كانت وجاهتها يمكن أن تؤجل، عندما يتبين أن الهدف حرف أنظار الناس واهتمامها عن وجعها ومسبب الوجع، ويتكامل هذا المنحى مع شبه فراغٍ في المواجهة على المستوى النيابي، نجم عن خسارة مدوية يتحمل مسؤوليتها أكثرية النواب الذين وصلوا بفضل التصويت التشريني العقابي ضد الطبقة السياسية، وكذلك مستقلين، فكان التلكؤ عن حمل قضايا من أوصلهم والدفاع عن مصالحهم على طريق بناء قطب سياسي آخر متعذر مع وجوده على «موالاة» النظام و«معارضته» تجاوزه!

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس لبنانية كيف يُشرّع نهب المستقبل دروس لبنانية كيف يُشرّع نهب المستقبل



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab