بقلم - محمد أمين
كان حافظ إبراهيم شاعر النيل على حق عندما قال قولته المشهورة «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق».. كانت الأم «مبروكة» فى حكاية أمس هى ملهمة على باشا إبراهيم، وهى التى وثقت به ودفعته للأمام، مع أنها لم تكن متعلمة؛ ولكن كانت تمتلك من الوعى ما جعلها تهرب به ليستكمل تعليمه، فصار إلى ما صار إليه، والفرق كبير بين المتعلمة والواعية!.
وحكاية اليوم عن توماس إديسون ينطبق عليها بيت الشعر الذى قرضه حافظ إبراهيم، وينطبق عليها المقدمة السابقة أيضًا، فقد صنعت الأم معجزة إديسون.. وُلد إديسون فى مدينة ميلان بولاية أوهايو الأمريكية، وهو من أصول هولندية. كان الابن السابع والأخير لـصمويل إديسون ونانسى ماثيوز إليوت.
اضطر والده إلى الهرب من كندا بسبب مشاركته فى ثورة ماكنزى الفاشلة سنة 1837. كان إديسون الشاب شريد الذهن فى كثير من الأحيان بالمدرسة، حيث وصفه أستاذه بأنه «فاشل». أنهى إديسون ثلاثة أشهر من الدراسة الرسمية. يذكر إديسون فى وقت لاحق: «والدتى هى من صنعتنى، لقد كانت واثقة بى؛ حينها شعرت بأن لحياتى هدفًا، وشخص لا يمكننى خذلانه». كانت والدته تقوم بالتدريس له فى المنزل!.
وأسهمت قراءته لكتب باركر العلمية فى الفلسفة الطبيعية كثيرًا فى تعليمه، كان توماس إديسون تلميذا محدود الذكاء ولا يهتم بما يمليه ويدرسه له المدرسون بالمدرسة، وارتأت إدارة المدرسة أن إديسون لا يستحق أن يكون من تلاميذ المدرسة، ففصلته وأرسلت معه رسالة يسلمها لأمه، وعندما سلمها الرسالة وقرأتها إذ بسطورها تقول: «إن المدرسة تعتذر عن عدم استمرار الطالب توماس إديسون فى تلقيه تعليمه فى المدرسة؛ نظرا لتخلفه عن مجاراة أقرانه فى الفهم والتحصيل، وأن إدارة المدرسة تخشى من أن يؤثر ذلك على مستوى تحصيل بقية التلاميذ»!.
وطلبت إدارة المدرسة منها أن تبحث له عن مدرسة تناسب قدراته المتواضعة عقليا وعلميا، وإذا بهذه السيدة العظيمة بلمحة خاطفة غيرت نص الرسالة وقرأتها له على هذا النحو الذى يرضيها ويرضى ابنها توماس، فقالت له يا توماس: «إن الرسالة التى أرسلتها المدرسة معك تقول «تأسف إدارة المدرسة عن استقبال ابنكم ـ توماس فى المدرسة نظرا لارتفاع مستوى ذكائه اللافت مقارنة بزملائه، مما قد يؤثر على تحصيلهم العلمى وشعورهم بالإحباط أمام تفوقه البالغ عليهم؛ لذا نأمل منكم البحث عن مدرسة أخرى تليق بقدراته العلمية ومستوى ذكائه البالغ»!.
يقول إديسون إنه عرف حقيقة الرسالة عندما راح يفتش فى خزانة أمه فوجد النص الأصلى للرسالة، وعرف الحقيقة التى بدلتها أمه فوثق فى نفسه واخترع لنا المصباح الكهربائى، وأضاء الدنيا، وعاش فى ذاكرة العالم بينما لم يذكر العالم اسم مدرسه ولا مديره الذى طرده من العمل!.
هذه قصة أخرى ملهمة لجيل الشباب، قد تفتح المجال أمامهم، لعل وعسى يخرج من بينهم عالم مثل توماس إديسون أو على باشا إبراهيم!.