تحية في ذكرى خيري شلبي

تحية في ذكرى خيري شلبي

تحية في ذكرى خيري شلبي

 عمان اليوم -

تحية في ذكرى خيري شلبي

بقلم:خالد منتصر

إذا كنت تريد أن تقرأ ملامح مصر الآن وتتعرف على تضاريسها النفسية والاجتماعية، فلتكف عن قراءة كتب الجغرافيا قليلاً واقرأ روايات الراحل خيرى شلبى فى ذكراه.

اخترت لكم رواية «إسطاسية» التى قرأتها فى 2010، وهى بجانب أنها رواية فهى أخطر جهاز أشعة رصد أحشاء الوطن المضطربة، وقاس هشاشة عظامه التى كان قد قرضها الفساد وقرصها الجوع، وحدد أماكن ثانويات الورم الذى وزع نابالم الفتنة فى خلايا المخ والكبد والقلب، فصار جسد الوطن جثة!

أحياناً نطلق على الممثل البارع «غول تمثيل» لأنه يسرق الكاميرا من الجميع.. خيرى شلبى يستحق لقب «غول رواية» لأن كاميرا الوعى التى تطل من نافذة عينيه مفتوحة 24 ساعة، ترصد وتسرق بالحلال اللقطة واللفتة والإيماءة، فيصبح «روبن هود» الذى يسرق كنوز المعرفة والبصيرة ويسلمها إلى من تآلف مع المشهد ليفيق من ألفته وكسله وفقر مفرداته وبخل انفعالاته، فيندهش ويُصدم فيتحرك ويبوظ «الراكور»!

فى سباقات الماراثون يسلم المتسابق قبل خط النهاية عصاه إلى من يكمل المشوار، وقد سلّم نجيب محفوظ عصا ماراثون الرواية إلى هذا العبقرى.. خيرى شلبى، فصار ديكنز مصر بلا منازع.

«إسطاسية» أطول عدّودة مصرية ملحمية تندب هذا المصير الأسود الذى تعدو إليه مصر داخل نفق الفتنة الطائفية المعتم، من يرد أن يتعامل مع الرواية على مستواها المباشر وحكيها الصريح فسيستمتع، ولكن من يرد أن يوسع الرؤية من تفاصيل الميكروسكوب إلى بانوراما التليسكوب ويبحث عن تأويل وتفسير المطمور والمتوارى والمختبئ من حفريات المعانى أسفل الطبقات الجيولوجية للرواية، سيستمتع أكثر ويفزع أكثر وأكثر!

«إسطاسية» أرملة جرجس غطاس، التى قتلوا وحيدها محفوظ الحلاق غدراً، هى ضمير القرية الذى يشويهم بنار الإحساس بالذنب، ضمير لا ينام ولا يكف عن الندب والصراخ، أرض الغطاسين استولى عليها البراوية، العائلة التى ينتمى إليها حمزة بطل الرواية، أقاموا «مَكَنة» الطحين بشراكة مع محفوظ جرجس اعتماداً على عقود وهمية، عتمان الجزار ناقم على المسيحيين، يسبهم ليل نهار ويتهم محفوظ بأنه قطع رزقه، انطلقت الرصاصة فى ظلام الليل لتستقر فى قلب محفوظ، لم يدرك أهل القرية أنها استقرت فى قلب استقرار البلد، طلبت إسطاسية العدل الإلهى عندما خذلها عدل الأرض، ومثل التراجيديات اليونانية الكلاسيكية صبغ الدم صفحات الرواية، ما إن يبدأ فصل بمقتل شخص حتى ينتهى بمقتل آخر، انقطع نسل العمدة الدمية وشقيقه شيخ المنصر، انقلبت الأفراح إلى مآتم ومات العريس والعروس على الكوشة، حتى السيارة التى اُشتريت من الحرام كانت نذير شؤم، وحتى النعش الذى يحمل الجثة لم يستطع أهل القرية حمله، لأن يديه الخشبيتين انكسرتا وصار مثقلاً بالذنوب!الرواية ليست قصة للتسلية فى السامر، ولكنها ملحمة تعصرك عصراً لتلمس الزلزال بأطراف أصابعك، وترى الجثث مبقورة البطن منتفخة على سطح جلدك، ويخترقك المستقبل الأسود، برائحته العفنة، الذى ينتظر مصر لو استسلمت للراقصين على الجثث فى زار الفتنة الطائفية!

لابد أن تسأل وأنت تقرأ الرواية عن أصحاب الأرض، عن الشراكة ومحاولة الغزو، عن «مَكَنة» الطحين التى من المفروض أن تمنحنا الخير فلماذا منحتنا الموت؟ عن نهاية القصة التى تلجأ فيها إسطاسية إلى القانون الذى لا بد أن يحكم بعيداً عن القبلية والتعصب ونفاق التيار المتطرف الذى زيّف الوعى، لا بد أن تسأل فى النهاية كيف عاش بيننا من هو فى قامة خيرى شلبى دون أن نقبّل يديه وجبينه كل مطلع شمس؟

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحية في ذكرى خيري شلبي تحية في ذكرى خيري شلبي



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab