أطفالُ فلسطين درعٌ وجبهة

أطفالُ فلسطين.. درعٌ وجبهة!

أطفالُ فلسطين.. درعٌ وجبهة!

 عمان اليوم -

أطفالُ فلسطين درعٌ وجبهة

بقلم: فاطمة ناعوت

أن يُقتَل طفلٌ فى حرب، فتلك قمّةُ المآسى البشرية التى يصنعها الإنسانُ فى حقّ أخيه الإنسان، منذ الأزل وإلى الأبد. أن يدفع طفلٌ حياته ثمنًا لصراع لم يصنعه ولم يكن سببًا فيه، بل ولم يصل بعدُ إلى سنٍّ يفهم فيها معنى الموت ومعنى الحياة ومعنى الحرب ومعنى الوطن، فذاك رأسُ الجنون وانعدام المنطق فى الحياة. الطفلُ، أىُّ طفلٍ فوق الأرض، منذورٌ للحياة. منذورٌ للعب، منذور للزهور والأراجيح وكراسات الرسم وحصص الموسيقى وتفتُّح العيون على المعارف. الطفلُ منذورٌ لضوء الشمس لا بريق الشظايا، منذورٌ لرذاذ المطر لا لوابل الرصاص المنهمر، منذورٌ لجبهة الفرح والحب لا جبهات الغضب والكراهية، منذورٌ لحضن الأمّ لا حضن الكفن، منذورٌ لدفء الأمان لا صقيع الخوف، منذور لإشراق اللون لا عتمة الركام والأطلال.

لكن أطفال فلسطين غير جميع أطفال العالم. لا ينطبقُ عليهم ما سبق ولا هم منذورون لما نُذر له الأطفالُ من نعومات الطفولة ودلالها وعذوبة سُكناها. بل حتى لم يعاينوا ما ينبغى أن يعاينه الأطفالُ من شعور فطريّ بالأمان داخل جدران البيت ودفء الأسرة أو على مقعد المدرسة. أطفالُ فلسطين منذورون للويل والشعور الفطرى بالتهديد. ثمّة غاشمٌ مُحتلٌّ يرفعُ إصبع التهديد أمام عيونهم البريئة التى بعدُ لم تتفتح على الحياة حتى تتفتح على الموت! تتبدّلُ الآية فى الكلام عن أطفال فلسطين. ترحلُ البراءةُ من عيون أطفال فلسطين لتحلّ محلها مسؤولية الذود عن الأرض! يرحلُ اللهو الطفوليُّ ليحلَّ محلّه العهدُ الصعبُ بتحرير الوطن! فى فلسطين يتحوّل كلُّ طفلٍ إلى مشروع شهيد بدلا من أن يكون مشروع حياة! ما أقسى ذلك على قلبّ كل أمٍّ لكل طفل فلسطينى! اللهم ارحمهم وارحمنا واجلُ عنهم هذا المحتلَّ الآثم الأثيم.

كتب لى القدرُ الطيبُ أن أزور «فلسطين» البهيّة عام ٢٠١٢، للمشاركة فى معرض «رام الله» الدولى للكتاب بدعوة من وزيرة الثقافة الفلسطينية آنذاك د. «سهام البرغوثى». زرتُ المدارس وتجولتُ مع الأطفال بين أروقة معرض الكتاب وقضيتُ معهم أيامًا لا تُنسى. كنتُ أحتضنُ الأطفال ثم أشخصُ فى عيونهم عساى أنجحُ فى قراءة المكتوب على جدار أرواحهم. أطفالُ فلسطين المحتلّة وطفلاتها مليحون ومليحاتٌ مثل كل أطفال العالم، ذوو وذوات ابتساماتٍ عذبة مثلهم مثل كل أطفال الدنيا، لكن شيئًا ما كان يسبحُ على صفحات العيون. شىء من الشعور بالتهديد ربما، غيابُ الأمان عن الإنسان لا يستقر داخل القلوب وحسب، بل يطفو على صفحات المآقى. هم يسكنون وطنًا لكن غاشمًا محتلا لا يُقرُّ لهم بهذا الوطن. وهذا الغاشمُ صهيونىٌ محتلٌّ جاثمٌ على صدر الوطن لا ينتوى الرحيل، وفوق احتلاله الوطن يحمل على كتفيه رشاشًا محشوًّا بالموت لا يطرحه آناءَ الليل وأطراف النهار، وكأنه يقرنُ الاحتلالَ بالتلويح بالموت!

فى مدينة «الخليل» ذهبتُ إلى مسجد «الحرم الإبراهيمى»، حيث يرقد جسدُ أبينا إبراهيم، أبِ الأنبياء. دخلنا عن طريق الأردن لكيلا تُوصَم باسبوراتنا بختم صهيون المحتّل. كنتُ أُدثّر عنقى بالحَطّة الفلسطينية (الكوفيّة) المكتوب عليها: «القدسُ لنا». وعند باب المسجد، فوجئتُ بـ ضابطة إسرائيلية راحت تنظر لى بتجهّم وتطلب منّى بخشونة أن أنزع الحطّةَ عن عنقى! اندهشتُ للغاية من هكذا طلب، فأفهمنى الرفاقُ الفلسطينيون أن هذه الحطّة تُثيرُ جنونهم كونها رمزًا للمقاومة الفلسطينية! حدّقتُ بغضب فى عينى الجندية ثم ابتسمتُ فى سخرية وقلتُ لها بالإنجليزية: (ياااه! كم أنتم ضِعاف! أنتم محتَلّون «مفعول بكم»، ولستم مُحتلّين «فاعل». الاحتلالُ يسكن قلوبكم. لهذا ترتعبون من قطعة قماش، لا حول لها ولا قوة! تخافون من «رمزٍ» للمقاومة، لأنكم تؤمنون أنكم لستم أصحاب قضية! إنه شعور اللصّ الذى يسرق ما ليس له! وبالمناسبة أنا مصرية ولستُ فلسطينية، والقدسُ لنا....) وكان الشررُ يتطايرُ من عينى الجندية الإسرائيلية مع كل كلمة من كلماتى وراحت تقترب منى والرشّاشُ بين يديها، ليس كما أمٍّ تحملُ وليدها، بل كوحش يبحثُ عن فريسة. وقبل أن يحتدمَ الموقفُ أكثر، وتتطور الأمورُ لغير صالحى، جذبنى الأصدقاءُ إلى داخل المسجد الإبراهيمى، بعدما نزعوا عنى الحطّة ودسّوها فى حقيبتى. وبالرغم من أننى كنتُ أتميّزُ غيظًا من نزعها ومن الموقف البائس، إلا أن شعورًا غامرًا بالفرح والانتصار راح يخفقُ بقلبى، إذ عاينتُ بنفسى ضعفَ بنى صهيون وهشاشتهم.

الحروبُ عمياءُ بكل أسفٍ، ليس بوسعها أن تتجنّب الأطفالَ حين تحصدُ الأرواح. لكن الخسيسَ يستهدفُ الأطفالَ كما فعل صهيونىٌّ لا قلبَ له مع الطفل الفلسطينى «محمد الدرّة» فى انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، حين طارده بالرصاص وأرداه شهيدًا! ويا تلاميذ غزّة علمونا.. فقد نسينا.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطفالُ فلسطين درعٌ وجبهة أطفالُ فلسطين درعٌ وجبهة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab