الثورة السوريّة التي نظّفت وانهزمت

الثورة السوريّة التي نظّفت وانهزمت

الثورة السوريّة التي نظّفت وانهزمت

 عمان اليوم -

الثورة السوريّة التي نظّفت وانهزمت

بقلم : حازم صاغية

صحيح أنّ الثورات العربيّة انهزمت، كلٌّ بطريقتها، وإن تقاطعت تلك الطرق في غير موضع ومكان. لكنّها، على رغم الهزيمة، أحدثت في الواقع وفي العقل تغييرات لن تظهر كلّ آثارها إلاّ على مدى أبعد. فالثورة السوريّة مثلاً، بوصفها أكثر شقيقاتها دراميّةً وأكلافاً وتأثيراً في محيطها، يكفيها أنّها نظّفت التاريخ المحلّيّ، وجزئيّاً العربيّ، الذي سبق أن خطّه الدجل والتدليس. وكم يبدو اليوم كاذباً وسخيفاً مَن يبدأ التأريخ للمحنة السوريّة بنشأة «داعش» قبل سنوات ثلاث، ويتجاهل عام وراثة بشّار أباه في 2000، وعام الاستيلاء العائليّ – الطائفيّ على البلد عبر «الحركة التصحيحيّة» في 1970، وعام الاستيلاء الحزبيّ في 1963، رجوعاً ربّما إلى عام الاستيلاء العسكريّ الذي باشره حسني الزعيم في 1949.

وتنظيف كهذا ينطوي على درس علاجيّ بليغ، درسٍ يجعلنا استيعابه أذكى وأقدر على تعقّل عالمنا، مفاده رؤية العنف الناعم المقيم خلف العنف الخشن، والعنف المتدرّج والمتراكم وراء العنف المباشر الذي يأتي دفعة واحدة. إنّه درس يمنحنا عيوناً أكبر نرى من خلالها ما لم تكن تتيحه العيون.

وتنظيف التاريخ الذي يستعيد الحقيقة ويمتلكها فيما هو يشذّبها، هو، في أحد وجوهه، ما يعطي الصوت واللسان لملايين الصامتين والمدفوعين إلى صمت توارثوه جيلاً بعد جيل عن تلك التواريخ المؤسّسة للكارثة. لكنّه أيضاً ما يقدّم لهذه الملايين رواية تدحض الدجل المتراكم عن نظام «الأبد» والمساهمة الكبرى التي أسداها لـ «مقاومة الإمبرياليّة والصهيونيّة» وبقية الترّهات. وفي هذا لم تقتصر فضائل الثورة - والمقصود بها ثورة «التنسيقيّات» والسنتين الأوليين - على سوريّة: فالسوريّون الذين انتفضوا في 2011 خدموا الفلسطينيّين إذ فتحوا لهم طريق الخلاص من التلاعب المديد بهم وبقضيّتهم، بقدر ما خدموا اللبنانيّين إذ صدّعوا نظاماً ورواية ساهما بنشاط في تصديع بلدهم لبنان.

فوق هذا، لا يعود تنظيف التاريخ بالنفع على السوريّين الأحياء وحدهم. فهو يفضي إلى عدالة أكبر في الإقرار بأدوار مواطني سوريّة، المنتجين منهم والمبدعين والسياسيّين والجنود وسواهم، ممّن عاشوا وماتوا بوصفهم ضيوفاً ثقلاء الظلّ على «سوريّة الأسد». وإعادة تمليك الناس تاريخهم شرط شارط لإعادة تمليكهم بلدهم وتمكينهم فيه.

وقد يكفي الثورات، حتّى حين لا تملك الوعي الكافي بإنجازاتها، أنّها دمّرت تقليداً عربيّاً وإسلاميّاً لا تحول عراقته دون تفاهته، مؤدّاه أنّ العدوّ لا يقيم إلاّ في الخارج. فهي قالت، بمجرّد قيامها، إنّ عدوّاً، شرس العداوة، من «ذوي القربى»، يقيم في البيت ذاته. ولمّا كان نظام الأسد أكثر الأنظمة غَرْفاً من التقليد المذكور، يستخدمه علّةَ وجود له، كانت الثورة السوريّة أشدّ الثورات العربيّة تخليعاً وخلخلةً لذاك التقليد.

والذين يدافعون عن ذاك النظام، وعن العبوديّة التي رعاها، سيّئون بما فيه الكفاية. لكنّ من يفوقهم سوءاً أولئك الذين يقولون إنّهم يناهضون العبوديّة لكنّهم يتمسّكون بنظامها. هؤلاء، في أحسن أحوالهم، يرغبون بالتغيير من دون أن يحصل تغيير. يعلنون أنّهم يريدون دخول المستقبل شرط ألاّ تسقط شعرة من رأس الماضي بتراكيبه المراتبيّة الصارمة وبمزاعمه القوميّة والشعبويّة الكاذبة والموظّفة بخبث وسينيكيّة. ومن يريد المستقبل والماضي في وقت واحد ينتهي مزيِّفاً للماضي وحائلاً دون المستقبل. إنّه مجرّد عبد للحاضر، يلوّنه ويزوّقه ويحرص على إدامته وتجميله.

وهذا، بالطبع، لا يلغي مساءلة الثورة المهزومة عن أسباب هزيمتها، وتالياً مساءلة المجتمع والاجتماع السوريّين، والعربيّين، عن قدرتهما على إنتاج ثورة ورعايتها. لكنّه يلغي كلّ شكّ حول سقوط النظام الأسديّ بوصفه ضرورةً لأنّه نظام لا يليق إلاّ بالعبيد.

واليوم، فيما الروس والأتراك والإيرانيّون يقرّرون مصائر السوريّين، ينتشر في الأرض سوريّون بالملايين، سوريّون يعرفون أنّ الهزيمة لا تهزم الأمل، وأنّ الكذب لا يحجب الحقيقة إلى ما لا نهاية، وأنّ العبوديّة لن يكون لها مستقبل... هذا إذا كان ثمّة مستقبل!

omantoday

GMT 10:41 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

حرب نتنياهو: خصوصيّات غير خاصّة

GMT 19:35 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

كأنّ العراق يتأسّس من صفر ولا يتأسّس

GMT 10:24 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

... عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها

GMT 19:15 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورة السوريّة التي نظّفت وانهزمت الثورة السوريّة التي نظّفت وانهزمت



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 05:08 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

برج الثور عليك أن تعمل بدقة وجدية لتحمي نفسك

GMT 16:24 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 17:11 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 09:26 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج العقرب

GMT 05:12 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في منزلك الثامن يدفعك لتحقق مكاسب وفوائد

GMT 23:29 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

عبارات مثيرة قوليها لزوجكِ خلال العلاقة

GMT 19:51 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 09:50 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الدلو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon