رحلة الهرب الإسرائيلي من الواقع

رحلة الهرب الإسرائيلي من الواقع

رحلة الهرب الإسرائيلي من الواقع

 عمان اليوم -

رحلة الهرب الإسرائيلي من الواقع

بقلم - خيرالله خيرالله

ليس في الإمكان الهرب من الواقع، واقع ما بعد حرب غزّة من جهة وواقع البحث عن حلّ سياسي من جهة أخرى. ترفض إسرائيل، في رحلة هربها من الواقع، الاقتناع بأنّ هذه الحرب جعلتها معزولة دولياً. حدث ذلك خصوصاً في ضوء قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة بنيامين نتنياهو الذي ارتكب جرائم حرب. وضعت المحكمة «بيبي» في مستوى يحيى السنوار ومحمد ضيف وآخرين من «حماس» مثل إسماعيل هنيّة.

ثمة عالم جديد فرضته حرب غزّة التي تطالب محكمة العدل الدوليّة بوقفها فوراً. لابد من مزيد من الوقت كي تستوعب إسرائيل معنى حرب غزّة وأبعادها على الرغم من تدميرها القطاع وتهجير أهله. لاتزال إسرائيل تحت صدمة يوم السابع من أكتوبر 2023. ستحتاج إلى وقت طويل كي تستفيق من هذه الصدمة التي هزت كيانها وجعلت مصيرها في مهبّ الريح، بغض النظر عن كل ما تمتلكه من أسلحة تدميريّة.

ولد من رحم حرب غزّة اعتراف عالمي بأن خيار الدولة الفلسطينيّة باقٍ على الطاولة. يؤكد ذلك اعتراف دول أوروبيّة عدة، مثل نروج وإسبانيا وأيرلندا، بهذه الدولة التي لا وجود لها، حالياً، والتي عمل اليمين الإسرائيلي كلّ ما يستطيع من أجل الحؤول دون قيامها يوماً. لا يمكن تحديد متى تعود إسرائيل إلى خيار الدولة الفلسطينيّة في حال كان مطلوباً الحفاظ على يهوديّة الدولة ووضع حدّ لأزمة ذات طابع ديموغرافي ناجمة عن وجود شعب فلسطيني على أرض فلسطين. هذا الشعب موجود ولا علاقة له بـ«حماس» وغير «حماس». هناك شعب يسعى إلى تحقيق حلمه التاريخي بإقامة دولته المستقلة. باختصار شديد، هذا الشعب موجود على الخريطة السياسيّة للمنطقة ولابدّ من يكون فيه على الخريطة الجغرافيّة.

من الباكر التكهن بما إذا كان الاشتباك المصري – الإسرائيلي عند معبر رفح ستكون له انعكاسات وتفاعلات مستقبلاً. لكنّ الأكيد أنّ هذا الاشتباك يؤكد الحاجة إلى التوصل إلى وقف النار فوراً تمهيداً لمباشرة البحث عن حل سياسي. هذا الحل غائب عن حرب غزّة نظراً إلى أن إسرائيل لا تمتلك مشروعاً لليوم التالي للحرب غير مشروع تدمير غزّة. الأخطر من ذلك كلّه أن رئيس الحكومة الإسرائيلية لا يمتلك مشروعاً غير متابعة الحرب. حجته أنّه يريد القضاء نهائياً على «حماس».

... وماذا بعد ذلك؟ هل يستطيع القضاء على الشعب الفلسطيني الذي يوجد منه ما بين سبعة وثمانية ملايين مواطن على أرض فلسطين، أكان ذلك داخل إسرائيل نفسها أو في الضفّة الغربيّة أو في قطاع غزّة المنكوب.

ارتكبت «حماس» جريمة موصوفة عندما شنت هجوم «طوفان الأقصى». إن دلّ هذا الهجوم على شيء، فهو يدل على غياب الأفق السياسي لدى تلك الحركة التي لا تعرف، حتّى الآن، ماذا تريد فعلاً. لا أفق سياسياً لدى «حماس» ولا أفق سياسياً لدى إسرائيل. لا وجود لدولة في العالم لا تمتلك سوى سياسة تقوم على فرض الاحتلال. لا يشبه بنيامين نتنياهو غير فلاديمير بوتين الذي يعتقد أنّ في استطاعته فرض الاحتلال الروسي على أوكرانيا... أو على جزء منها.

بعد نحو 240 يوماً على حرب غزّة، يمكن ملاحظة غياب الوعي الإسرائيلي لأبعاد هذه الحرب. مثلما أنّ «حماس» لا تقوى على رؤية ما حل بغزّة، نرى إسرائيل عاجزة كلّياً عن استيعاب ما أدّت إليه تلك الحرب، خصوصاً على صعيد طبيعة علاقتها بالولايات المتحدة. صحيح أنّ الرئيس جو بايدن، مازال يدافع عن إسرائيل ومازال يسمح بتزويدها ما تطلبه من سلاح وحمايتها في مجلس الأمن، لكن الصحيح أيضاً أن إدارة بايدن نفسها لا تستطيع الاستمرار في تغطية الجريمة التي ترتكب في غزّة وهي جريمة تترافق مع هرب إسرائيلي من الحل السياسي.

كلّما مرّ يوم، يتبيّن مدى الارتباط الإسرائيلي بالولايات المتحدة ومدى اتكال الدولة العبريّة على أميركا. إذا كان من درس يمكن استخلاصه من حرب غزّة، فهذا الدرس يتلخّص بأن هذه الحرب غيّرت طبيعة العلاقة الأميركيّة – الإسرائيليّة. ستكون حاجة إلى بعض الوقت للتأكد من ذلك بالملموس وذلك على الرغم من اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في الخامس من نوفمبر المقبل.

تذكر هذه الحرب بما حصل في العام 1956، عندما شاركت إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر إثر قرار جمال عبدالناصر، بتأميم قناة السويس. وقتذاك، سيطر البريطانيون والفرنسيون على قناة السويس فيما احتلّت إسرائيل سيناء بكاملها. كانت كلمة واحدة من الرئيس الأميركي دوايت إيزنهاور، كافيّة كي تنسحب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل من كلّ الأراضي المصريّة التي احتلت وقتذاك. وضعت أميركا إسرائيل في حجمها الحقيقي.

ثمة من يعتبر أن ما حصل في العام 1956 استثناء. لكنّ العام 1990 وفّر مناسبة أخرى للتأكد من أن أميركا قادرة على ضبط إسرائيل متى شاءت ذلك فعلاً. في ذلك العام، وبعد احتلال الجيش العراقي للكويت، شاءت إسرائيل أن تكون جزءاً من حرب تحرير الكويت. منعتها أميركا من ذلك. ذهبت إدارة جورج بوش، الأب، إلى حدّ إرسال بطاريات صواريخ «باتريوت» مع طواقم أميركيّة إلى إسرائيل كي تؤكد لها أن حرب تحرير الكويت ليست فرصة لإثبات إسرائيل قدرتها على ضرب العراق بمقدار ما أنّها فرصة كي تثبت أميركا دورها القيادي في المنطقة.

عاجلاً أم آجلاً، سيتبيّن أن حرب غزّة كشفت إسرائيل. كشفت خصوصاً أنّ ليس في استطاعتها تجاوز الولايات المتحدة بأي شكل. أكثر من ذلك، ستكشف حرب غزّة مدى الحاجة إلى مشروع سياسي لما بعد الحرب، مشروع مبني على خيار الدولة الفلسطينية. يظلّ السؤال من سيشارك في هذا المشروع الذي سيتبلور في إطار مؤتمر دولي بدأت تتحدث عنه أوروبا علناً.

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة الهرب الإسرائيلي من الواقع رحلة الهرب الإسرائيلي من الواقع



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab