اختفاء خاشقجي والحقيقة وتصفية الحسابات

اختفاء خاشقجي والحقيقة وتصفية الحسابات

اختفاء خاشقجي والحقيقة وتصفية الحسابات

 عمان اليوم -

اختفاء خاشقجي والحقيقة وتصفية الحسابات

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

شغلت قضية اختفاء الزميل جمال خاشقجي المنابر الإعلامية بقديمها وجديدها. كل تعرض عنفي لصحافي مرفوض ومستنكر. واهتمام الإعلام بالقضية طبيعي، لكن المتابع وجد نفسه أمام دفق هائل من الأخبار والتكهنات والسيناريوات والأحكام قد يعوق الوصول إلى الحقيقة. وإذا كان البحث عن السبق مشروعاً، فإن الحادث المؤلم كشف أن لدى الإعلام الجديد ما يتعلمه من الإعلام القديم.
ثمة فارق واضح بين البحث عن مصير خاشقجي وما تعرض له والمسارعة إلى توظيف الحادث لتصفية حسابات سياسية. فور وقوع الحادث، تقدمت جهات سياسية وإعلامية للاصطياد في بحيرته. يصعب الاعتقاد أن هاجسها كان تحري الحقيقة بمقدار ما كان استهداف السعودية قبل معرفة الوقائع وقبل اتضاح الخيوط. إن الحملة الرامية إلى تحويل ما جرى للزميل خاشقجي إلى منصة للضغط على السعودية والنيل من اقتصادها ودورها تنذر في الواقع بإطلاق أزمة لا يمكن التكهن بنتائجها. فالسعودية ليست في وارد الرضوخ للضغوط وهذا أسلوب دائم لديها. وليس من عادتها قبول إملاءات أو عقوبات من دون الرد عليها. وكان هذا واضحاً في كلام المصدر السعودي المسؤول أمس.
لدى الإعلام الجديد ما يتعلمه من الإعلام القديم. كانت المؤسسات الصحافية الراسخة شبيهة بالجامعات العريقة. لا تقبلك إلا بعد أن تخضعك لاختبارات فعلية. وكان هناك من يقرر إن كان الوافد مشروعاً صحافياً فعلياً أم أنه طارئ على المهنة بعدما تقطعت به السبل. وكان المتدرب مطالباً بالتحلي بالتواضع والطموح معاً. التواضع في الاستماع والتعلم وقبول الإرشادات والتوجيهات، والطموح في البحث عن زاوية جديدة أو موضوع جديد وربما طريقة جديدة في التعبير والمعالجة.
كانت المؤسسة الصحافية تتحصن بخبرات أجيال. حماسة الشباب وتجربة من سبقهم وحكمة من عاشوا وتمرسوا وعركوا المهنة وعركتهم. وكان الوافد يشعر بالتحدي حين يستمع إلى النقاشات الغنية في المهنة والسياسة والثقافة وأبواب أخرى. والأهم من ذلك كله أن كل تحريض على الحرية كان يتواكب مع تشديد على مسؤولية ناقل الخبر أو كاتب المقال. مسؤولية تجاه القارئ وتجاه القانون وتجاه الضمير وتجاه سمعة الشخص والمؤسسة.
كانت المؤسسات بالغة الجدية وقواعد العمل صارمة. عدم الاكتفاء بمصدر واحد لنشر الخبر. عدم نشر صورة تحرج عائلة أو تستفز مشاعر الكراهية وتشجع على الفتنة. عدم نشر الاسم الكامل لرجل يحاكم في قضية لتجنيب عائلته ردود الفعل. قواعد تحكم العمل وتتعلق بمسؤولية كاتب الخبر ومن ينشره. وكانت القاعدة الذهبية تحري الحقيقة وتحري الدقة.
درس شخصي في هذا السياق. كنت في بداية العمل الصحافي حيث يقع الكاتب في إغراء المبالغة ودفق اللغة. كتبت مقالاً عن إيميلدا ماركوس زوجة الرئيس الفلبيني التي شاع يومها أنها تمتلك ترسانة من الجواهر و2700 زوج من الأحذية. وقلت إنه لا غرابة أن تفعل السيدة الأولى ذلك ما دام زوجها سرق الشعب، وأشرت إلى الفقر الضارب في البلاد. فجأة رن الهاتف الداخلي وطلب مني مدير التحرير في جريدة «النهار» فرنسوا عقل أن أذهب إليه ووجدت المقال أمامه قبل أن يذهب إلى المطبعة. قال: «نحن صحيفة محلية ولن يزعجنا ماركوس أو يقاضينا أو يرسل توضيحاً. لن يعرف بما كتبناه عنه. لكن من أجلك أنت ومن أجل الصحيفة يجب أن تحترم القاعدة. في غياب حكم من المحكمة لا يحق لنا أن نصدر حكماً. نقول المتهم ولا نجزم». ومنذ ذلك اليوم أدركت أن الحرية لا يمكن أن تنفصل عن المسؤولية في نشر الأخبار أو كتابة المقالات.
تغيرت مهنة المتاعب وتضاعفت متاعبها وإمكاناتها في التعبير السريع والوصول إلى أماكن قصية. لست أبداً من دعاة العودة إلى الماضي أو التشبث به. لكن في زمن تحول فيه كل مواطن إلى صحافي يكتب ويصور وينشر، أستشعر الحاجة إلى تنمية تلازم الحرية مع المسؤولية رغم إدراكي صعوبة ما أدعو إليه.
عاد إلى ذهني موضوع القواعد المهنية الصارمة وأنا أتابع موضوع اختفاء الزميل جمال خاشقجي. من رافق التغطية للحادث لاحظ بالتأكيد قيام شاشات ومواقع بالقفز إلى استنتاجات قبل توافر وقائع وإصدار أحكام في غياب المعطيات الضرورية. وثمة من روّج سيناريوات مؤلمة لعائلة جمال. ولا مبالغة في القول إن وسائل إعلام قطرية اعتبرت اختفاء جمال فرصة ذهبية للنيل من السعودية التي تشهد في الآونة الأخيرة عملية تحديث وإصلاح تركت صداها الإيجابي في العالمين العربي والإسلامي.
الأكيد أن ثمة فارقاً كبيراً بين تحري الحقيقة في موضوع اختفاء جمال خاشقجي وانتهاز فرصة وقوع الحادث للانطلاق في هجوم يستهدف إضعاف السعودية، وهي ضلع عربي لا غنى عنه في عملية التوازن على مستوى الإقليم. وهي دولة يعتبر استقرارها ضرورة للاقتصاد العالمي وتنمية الاعتدال في العالمين العربي والإسلامي. وفي التعامل مع هذا النوع من الأحداث، لا بد من قدر كبير من المسؤولية والابتعاد عن سياسة تسجيل المواقف المتسرعة والمبالغات التي تهدد بإطلاق أزمات أكبر. هذا يصدق على وسائل الإعلام ويصدق أيضاً على الحكومات. لا يمكن الاستسلام إلى منطق التغريدات والصدى الذي تلقاه. والأكيد هو أن لدى الإعلام الجديد ما يتعلمه من الإعلام القديم.

 

omantoday

GMT 08:53 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ترمب يتقدَّم... الرجاء ربطُ الأحزمة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

قصة عِبَارة تشبه الخنجر

GMT 07:15 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

شبح العودة من الحرب

GMT 23:17 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

في عهدة أقوياء ضعفاء

GMT 00:04 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل... رسائل النار والأسئلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اختفاء خاشقجي والحقيقة وتصفية الحسابات اختفاء خاشقجي والحقيقة وتصفية الحسابات



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 16:53 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab