إيران ونصيحة السيستاني

إيران ونصيحة السيستاني

إيران ونصيحة السيستاني

 عمان اليوم -

إيران ونصيحة السيستاني

غسان شربل

 لا يكفي أن تنتزع لنفسك دوراً في الإقليم مستفيداً من انهياراته. الأهم أن يعترف الآخرون لك بهذا الدور، وأن يعتبروه طبيعياً ومتناسباً مع حجمك، وأنه ليس مؤسَّساً على حساب أدوار يستحقها الآخرون. وأن دورك ليس مشروع تهديد دائم. وأن برنامجك ليس تغيير ملامح جيرانك وإعادة صياغة بلدانهم بما يتناسب مع مصالحك وحساباتك الاستراتيجية. وتقول التجارب أن أطول الأدوار عمراً هي تلك التي لا تُبنى على ركام أدوار الآخرين، بل تترك لهم فسحة للتنفس والعيش، وأن الأدوار التي تُنتزع بالقوة معرّضة لتلقّي مفاعيل القوة المعاكسة، فضلاً عن احتياجها الدائم إلى لغة القسر للدفاع عنها.
من التسرّع الاعتقاد بأننا في ختام معركة الأدوار في هذا الشرق الأوسط الرهيب. في المنطقة المدجّجة بأفخاخ الجغرافيا والتاريخ معاً. منطقة تتّسم حدود الدول فيها بهشاشة تعززها الولاءات العابرة للحدود. منطقة تشكو ضعفاً صارخاً في ثقافة التعايش، وقبول الآخر. ثم إن الأدوار الكبرى تحتاج إلى قاعدة صحية لضمان ديمومتها... إلى لغة جذّابة واقتصاد قوي وحسن إدارة والتفات دائم إلى مشاعر أبناء المسارح التي تمارس فيها هذه الأدوار.
«إننا نعتزّ بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا. وإذا كنّا نرحب بأي مساعدة تُقدَّم إلينا اليوم من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب، ونحن نشكرهم عليها، فإن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن نغضّ الطرف عن هويتنا واستقلالنا، كما ذهب إليه بعض المسؤولين في تصوراتهم». هذا ما قاله أحمد الصافي ممثل المرجعية في خطبة الجمعة في كربلاء، نقلاً عن المرجع الأعلى علي السيستاني. وأكد أن «العراق سيكون كما كان دائماً، منيعاً إزاء أي محاولة لتغيير هويته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه». وواضح أن هذا الكلام الصريح جاء رداً على تصريحات علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني الذي قال أن بغداد «عاصمة الإمبراطورية الإيرانية، ولا خيار بين البلدين إلا الاتحاد أو الحرب».
يجدر بالمسؤولين الإيرانيين التوقُّف طويلاً عند هذا الكلام، سواء اعتبروه نصيحة أم تحذيراً. إنه كلام الرجل الذي لعب دوراً بالغ الأهمية في عراق ما بعد صدام حسين، ولا مبالغة في القول أنه جنّب البلاد ما هو أدهى مما تعيشه. والحقيقة أن غياب الواقعية هو أهم ما ميّز سياسات القوى العراقية البارزة بعد سقوط صدام. افتقرت سياسات القوى الشيعية التي اعتبرت نفسها منتصرة، إلى الحد الضروري من الواقعية، لحفظ شيء من هذا الانتصار. وافتقرت سياسات القوى السنّية التي اعتبرت نفسها مهزومة، إلى الحد الضروري من الواقعية، لضبط الخسائر وترميم شيء من الموقع.
لنقترب من التفاصيل. ليس غريباً أن يكون لإيران دور على أرض العراق الذي يعيش في ظل انقسام عميق بين مكوّناته، وفي ظل مؤسسات مريضة فضحها انهيار الجيش أمام هجوم «داعش». ولكن، هل من الطبيعي أن يصل الدور الإيراني هناك إلى حد ظهور تصريحات من قماشة تصريحات يونسي؟ وهل طبيعي أن يشعر قسم من العراقيين بأن بغداد تُدار من طهران؟ وهل يؤسّس مثل هذا الشعور لقيام علاقات دائمة ومستقرة بين البلدين؟
لنذهب إلى سورية. لم يكن سراً أن النظام السوري أقام علاقة تحالف عميقة مع إيران تحت راية الممانعة. وأن إيران اعتبرت محاولة إسقاط هذا النظام بمثابة انقلاب شديد الخطورة على استثمارها الطويل الذي أدى إلى وصولها إلى المتوسط عبر «حزب الله» اللبناني. ولكن، هل من الطبيعي أن يقول مسؤول إيراني أن بلاده هي التي منعت سقوط دمشق؟ وهل طبيعي أن تصبح إيران صاحبة الكلمة الأخيرة على أرض سورية وأقوى من النظام السوري هناك؟
لنذهب إلى لبنان. يقول قادة حركة 14 آذار أن ما منعهم من بناء وضع مستقر في لبنان هو اصطدام برنامجهم الذي أُعلِن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالبرنامج الإيراني الكبير للمنطقة. ويضيفون أن ممارسات عنفية وسياسية شهدتها هذه السنوات، كانت ترمي بالدرجة الأولى إلى منع إخراج لبنان من حلقات السلسلة الإيرانية.
ليس بسيطاً أن تستخدم جهات عراقية عبارة «الاحتلال الإيراني»، وأن تقتدي بها جهات في المعارضة السورية، وأن تقترب قوى لبنانية ويمنية من استخدام العبارة ذاتها. وإذا أخذنا في الاعتبار أن مستخدمي هذه العبارة هم في الغالب من السنّة، نُدرك حجم التوتر في بلدان المنطقة وهو توتُّر يؤسس لموجة جديدة من النزاع والتطرف.
يجدر بالمسؤولين الإيرانيين التمعُّن في نصيحة السيستاني. تنامي المشاعر ضد الدور الإيراني يُنذِر بتحويله عامل عدم استقرار أو تهديد لتماسك الخرائط. إننا في خضم معركة الأدوار ولسنا في ختامها.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ونصيحة السيستاني إيران ونصيحة السيستاني



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab