ذلك اليوم في دمشق

ذلك اليوم في دمشق

ذلك اليوم في دمشق

 عمان اليوم -

ذلك اليوم في دمشق

غسان شربل

الصدفة أبرع المهندسين. تستدرج الصحافي أحياناً الى مواعيد عصية على النسيان. نصحني زميلي إبراهيم حميدي، مدير مكتب «الحياة» في سورية آنذاك، بالتعرف الى وليد المعلم، مشيراً الى انه يتابع ملف العلاقات مع لبنان وقد يعيّن قريباً وزيراً للخارجية. وكان بديهياً أن أرحب فقد كانت سورية بلداً معنياً بجملة ملفات عربية حساسة وكانت قواتها تنتشر في لبنان وتمسك بقراره. تدخلت الصدفة. أعطاني المعلم موعداً في الثانية عشرة ظهر 14 شباط (فبراير) 2005.

لم يخطر ببالنا ابداً أن زلزالاً سيقع خلال وجودنا في ذلك المكتب. وأغلب الظن أن ذلك لم يخطر ببال المعلم ايضاً. استهلكنا ما يزيد على النصف الأول من اللقاء في السؤال عن العراق المقيم في قبضة القوات الأميركية وعن خيارات سورية التي باتت جارة للجيش الأميركي. وفي الوقت الباقي كان لا بد أن نتحدث عن لبنان.

سألت المعلم عن علاقات دمشق مع الوزير وليد جنبلاط خصوصاً بعد محاولة الاغتيال التي استهدفت رفيقه مروان حمادة. أجاب بلغة غير عدائية لافتاً الى أن العلاقات مع جنبلاط مرت دائماً بمراحل صعود وهبوط، مشيراً الى أن وليد يذهب بعيداً في بعض الأحيان. سألته عن احتمال أن نرى رفيق الحريري مجدداً في دمشق بعد تدهور العلاقات بسبب التمديد للرئيس أميل لحود والاتهامات في شأن القرار 1559. أحالني المعلم الى اللهجة الإيجابية المتضمنة في ما نقلته الزميلة «السفير» عن الحريري في ذلك اليوم، مشيراً الى أن الحريري يعرف أهمية دمشق وهي تعرف ما قدمه لها في عدد من المحطات. توقع أن تتبدد الغيوم، ملمحاً الى أن موضوع جنبلاط هو الأصعب.

لم أكن أعرف أن الرجل الذي أسأل عنه اغتيل قبل دقائق في بيروت. ويبدو أن المعلم لم يكن يعرف. ولم ألاحظ أن أحداً أدخل ورقة أو اتصل بالهاتف ليبلغه. في الواحدة والنصف إلا خمس دقائق ودعنا المعلم وفتحنا هواتفنا. كانت الرسائل المتلاحقة تشير الى ان عملية تفجير هائلة استهدفت الحريري وموكبه.

كان لدينا موعد آخر في الثانية. استقبلنا السيد الوزير مذهولاً وعيناه معلقتان على شاشة «الجزيرة» التي كانت تبث من موقع الانفجار. سرقتنا الشاشة ولم نتبادل سوى بعض العبارات ثم ودعناه. لم يعد ثمة ما يبرر الأسئلة السابقة. ما بعد الاغتيال لا يشبه ما قبله.

عدت الى مقر إقامتي في فندق «شيراتون». في البهو صودف وجود الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة وهو هناك زائر قديم ومقيم. قال سماحة إن العملية كبيرة وخطرة. عرض عليّ الذهاب معه الى بيروت «لنتحدث على الطريق». شكرته وقلت إن عليّ أن أكتب مقالتي فضلاً عن أنني مرتبط بموعد مسائي في دمشق ولا يصح للصحافي أن يكون المبادر إلى الإلغاء.

ذهبنا الى الموعد ولم يكن هناك ما نتحدث عنه غير اغتيال الحريري. كان المسؤول يتابع الأخبار عبر أكثر من شاشة. فجأة بثت إحدى الشاشات اللبنانية بياناً أصدره سياسيون من طوائف عدة تنادوا إلى عقد اجتماع في دارة الحريري في قريطم. تضمن البيان جملة قاطعة ستشعل براكين الغضب. حمّل المجتمعون الجهاز الأمني اللبناني - السوري مسؤولية اغتيال الحريري. كان وليد جنبلاط العمود الفقري لذلك الاجتماع وكانت بصماته واضحة في وضوح البيان. كان ميشال عون في المنفى. وكان سمير جعجع في سجنه.

لم تبخل علينا هذه المهنة بالأيام العصيبة، لكن ذلك اليوم كان من أخطرها. العبوة التي انفجرت برفيق الحريري انفجرت ايضاً بالعلاقات اللبنانية - السورية. غيرت أيضاً مصير النظام السوري الذي اضطر للانسحاب من لبنان واندفع الى الالتصاق الكامل ومن موقع أضعف بإيران و «حزب الله» وهو ما يفوق قدرة التركيبة السورية على الاحتمال. انفجرت العبوة ايضاً بالعلاقات السنية - الشيعية في لبنان وخارجه. انفجرت كذلك بالعلاقات السورية - السعودية على رغم محاولة الـ «سين-سين» لاحقاً. انفجرت ايضاً بالعلاقات بين المقاومة و «حزب الله» من جهة وسائر اللبنانيين من جهة أخرى. ما بعد الزلزال لا يشبه ما قبله والدليل هذا الذي نراه.

في تلك الليلة في دمشق حاولت رشوة النعاس لكنه رفض ولم يقترب. راحت الصور تتلاحق. جثة كمال جنبلاط. وجثة بشير الجميل. وجثة رينيه معوض. جثث كثيرة مرت في النهر الذي سيرابط وليد جنبلاط على ضفته وسيطول انتظاره. راودني خوف عميق. لم يقتل الحريري وحده في ذلك النهار. قتل كثيرون في يوم المصائر المتداخلة وقتلت أشياء كثيرة.

في اليوم التالي عدت الى بيروت. كان الدمع يتصبب من عيون كثيرة وكان الغضب يتصبب من شرفات كثيرة. رأت بيروت سعد الحريري يحمل نعش والده ويدخل نادي الزعماء المجروحين. ولن يتأخر اللبنانيون في الانقسام. في الشهر التالي وتحديداً في الثامن منه سيختار «حزب الله» طريقه وفي 14 آذار (مارس) ستختار المكونات الأخرى طريقها المعاكس. تشلّع لبنان وها هي سورية مشلّعة.

يتذكر اللبنانيون اليوم 14 آذار الوافد من 14 شباط. لا أقول إن اغتيال الحريري هو سبب ما يجري. لكن يوم اغتياله كان بين الأسباب التي أوصلت النظام السوري و «حزب الله» الى العزلة الحالية. المنطقة بأسرها تدفع اليوم ثمن ثقافة تقوم على شطب الآخر. وقد يكون الآخر رجلاً او شعباً او طائفة.

omantoday

GMT 14:48 2023 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

النزوح السوري الكثيف ناقوس خطر!

GMT 07:31 2021 الأربعاء ,17 آذار/ مارس

سوريّا والتاريخ الممنوع دائماً

GMT 07:32 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

وحدة المسار

GMT 18:15 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

أخبار عن أبحاث وسورية ومبيعات السلاح

GMT 03:37 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

(المأساة في سورية مستمرة)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذلك اليوم في دمشق ذلك اليوم في دمشق



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab