بيت «بَعْورة»  لوف

بيت «بَعْورة» .. لوف!

بيت «بَعْورة» .. لوف!

 عمان اليوم -

بيت «بَعْورة»  لوف

بقلم - حسن البطل

لي حكايتي عن ذلك البيت. البلدية حكت حكاية عتيق بيوت المدينة المهجورة وجديدها. الناس حكوا حكايات اعتراض شتى على حكاية البلدية.
ذلك البيت، قرب «مطعم دارنا»، آخر شارع السهل - رام الله، بيت من بابين، باب لحاكورته الوسيعة يشطرها درب ضيق الى باب البيت. «ادخلوا البيوت من أبوابها» وآخر الخريف وأول الشتاء ادخل باب الحاكورة، إن لم يكن موصداً أحياناً. أبداً لا أطرق باب البيت الموصد دائماً.
يهمني في البيت حاكورته، وبالذات شجرة صنوبر سامقة. أحمل كيسا متوسطاً من الخيش وألتقط من تحت الشجرة أكوازها لألقمها مدفأة حطب في بيتي، وفوقها خشب .. وفوق الخشب حطب من حطام أشجار الزيتون.
سألت زميلي زياد: هل يقولون في بلادنا «بعورة» قال: يقولونها هنا «تبعير». في غوطة دمشق يقولون عن «البعورة» انها كناية عن «لقوطة» ما تطرحه الأشجار، أي «تلقيط» سواقط ثمارها عن ارض تحتها. لما تصير حبات الزيتون «جرجير» مثلاً.
احياناً، كنتُ أرى بغلاً يقتات من عشب وافر في الحاكورة. أحياناً كنتُ رأيتُ ارض الحاكورة محروثة.. مرة او أكثر، زرعوا شطر الحاكورة بالفول، والشطر الآخر بالبازيلا، دون «تقصيم» الأرض التي يزيدها روث البغل قصباً وأعشاباً تطغى على حقلي الفول والبازيلا.
هدموا البيت العتيق المهجور لبناء عمارة او «مول»، وعندما سيقطعون شجرة الصنوبر الهائلة لتصير حطباً او اثاثاً، لن اعود «أبعور» كيزاتها، وستذهب معها فوضى جميلة لأعشاب الحاكورة، وستختفي «حتّة» اخرى خضراء فوضوية في رام الله.
أول من امس، «بعورت» بعورة الوداع، ففي خريف مقبل، لن تكون هناك شجرة صنوبر وحيدة تطرح اكوازها والقطها لنار مدفأتي. في حجة الوداع للحاكورة اكتشفت غير «البعورة»، اي كشّة وفيرة من نبات اللوف اليانع، فحملت منه قطاف طبخة ربيعية، انت لا تجد اللوف كما تجد الخبيزة في كل مكان.
قلت: لي حكايتي مع البيت المهدوم، او مع شجرة الصنوبر الوحيدة. في الغوطة كانت لي حكايات مع «البعورة»، وبالذات مع حبات الجوز، التي تتساقط من أشجارها في آخر الخريف وأول الشتاء.
في آخر «شيك أب» قال لي د. محمد البطراوي ان عضلة قلبي قوية. لم أقل له: ربما لكثرة ما كنت آكل ثمار الجوز في صغري لما كنت ولداً مشاغباً فلسطينياً لاجئاً في غوطة دمشق. الجوز والمشمش أشجار مُحبة للماء، ربما لرقة اوراقها المتساقطة في آخر الخريف وأول الشتاء.
أطيب الجوز عندما «تحكم» ثمارُه قبل موسم القطاف، وقبل ذلك تكون الثمار «بغو» مثل مخاط الطفل والعجوز.
ابتسمت عندما اهداني صديق زجاجة فيها حبات من لوز المشمش المرّ، وقال: خذ واحدة كل يومين. فذكرت ان الغوطة ذات الـ ٣٦ شجرة مثمرة، ملأى باشجار المشمش «الكلابي» مر البذرة، والبلدي حلوها كما «الوزيري». قرأت ان عمر سكان داغستان مديد لأنهم يأكلون كثيراً بذرة المشمش، كما كنت أفعل غلاماً في غوطة دمشق، وهي كانت الحبة الارضية الثالثة.
«البعورة» و«التبعير» إما استعارة من جمع بعر الحمير او روث البقر. كنا لاجئين فقراء، ونلتقط البعر لتجففه امهاتُنا وتخبز عليه طحين الوكالة.
طيب، ماذا عن هذا «اللوف»؟ كان ابي يحبه كما تعده امي، لاذعاً لاسعاً، كما كان يحب الفلفل الحار. حاسة الذوق حساسة ونامية لدى الصغار، لذا ما كنت احب «لوف» تطهوه امي، ويحبه ابي.. حتى صرت في عمره وتجاوزته.
في آخر قطاف لهذا «اللوف» تعلمت طريقة ثانية في إعداده، غير فرك أوراقه بالملح لنزع لسعتها ولوذعيتها، اي نزع عروقها اولاً، لتصير نكهتها ذات لسعة قارصة خفيفة. بصل ثم «لوف» ثم حبة بندورة .. و«ومزمز»!
قبل، اوسلو، قال لي جاري أحمد، ابن عناتا: كنا في الربيع نسكر المطبخ ونأكل أعشاب ربيع الأرض. لا بأس من طبختين او ثلاث في موسم الخبيزة، ومثلها طبق او طبقان من «اللوف» وأما موسم «العكوب» القريب فتناوله على مدار عام من «الفريزا».
يقول اليهود «الخبيزة» خبز العرب، وكانوا يقولون: «الزيتون للعرب والدواب» ثم تغيروا وصارت الزيتونة شجرة اسرائيل الاولى، كما هي دائماً شجرة ارض فلسطين الاولى.
عندما عدت زائراً الى مسقط رأسي في طيرة - حيفا، كان اول ما سألت عنه هو هذه «القرّنية» التي طعمها باق تحت أسناني منذ كنت طفلاً صغيراً قبل النكبة.

«خضراء يا ارض روحي»
السبت تبدأ «مربعينية» الشتاء، ومعها النهار الأقصر والليل الأطول، هذه بلاد بعل، ويبدو ان السماء ستكون، هذا العام، ذات أمطار وفيرة، يقول فلاحونا ان احسن المواسم المطيرة، ما يكون ثلثها في الخريف والثاني في «المربعينية» والثالث في فصل الربيع.
«خضراء يا أرض روحي».
حسن البطل
 

omantoday

GMT 06:26 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

صوت «المشتركة» في ميزان إسرائيل الثالثة

GMT 06:21 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

إضراب المعلمين وسياسة تقطيع الوقت لمصلحة من ؟

GMT 06:18 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

خمسة دروس أردنية من الانتخابات التونسية

GMT 06:15 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

البعد الطائفي في استهداف المصافي السعودية

GMT 06:12 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

وادي السيليكون في صعدة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيت «بَعْورة»  لوف بيت «بَعْورة»  لوف



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab