الأرضى والمحمول

الأرضى والمحمول

الأرضى والمحمول

 عمان اليوم -

الأرضى والمحمول

بقلم:أسامة غريب

للتليفون الأرضى الثابت تقاليد ترسخت عبر عشرات السنين منها أنه لا يصح طلب الناس بالبيوت في وقت متأخر خشية أن يكون أهل البيت قد خلدوا إلى النوم، أما التليفون المحمول فإن اختراعه قد شكل خروجًا على هذه التقاليد، وطبيعى أنّ الاقتحام والاستباحة عنصران أساسيان في تكوينه!. ومع هذا فلا ينكر فضل هذا الختراع إلا جاحد، إذ إنه قد يكون وسيلة سريعة لطلب النجدة وقت الأزمات، كما أنه يمكّنك من مكالمة أقصى الأرض وأنت جالس في القطار أو على شاطئ البحر. التليفون المحمول يرن في جيبك في أي وقت وأى مكان لأن الغرض الفعلى من اختراعه أن يبقينا على صلة بالآخرين ويجعلنا متاحين لهم 24 ساعة في اليوم. لكن لأن الدنيا لا تصفو تماما فإن لهذا الاختراع مشكلاته نابعة من خصائصه. لقد اعتدت أن أرد على المحمول بصوت خفيض أثناء وجودى بمكان عام حتى لا أزعج الآخرين أو أطلعهم على شؤونى الخاصة، لكن هذا الفعل الذي أظنه بديهياً ليس كذلك، إذ إن معظم الناس يتحدثون بالمحمول أثناء ركوبهم الباص أو حال وقوفهم بطابور السينما أو جلوسهم بالمقهى بصوت عال، وهم يناقشون في المكالمة أدق تفاصيل الحياة حتى الحميم منها والمُخجل!.

ومن المفارقات العجيبة أننى تعرضت مرة لحادث سيارة سبّب لى إغماءة قصيرة، فلما استعدت الوعى كان المحمول الملقى في أرضية السيارة يرن بإلحاح، وعندما استجمعت قواى وانحنيت لالتقاطه أتانى صوت من الطرف الآخر لشخص لا أعرفه يتهلل فرحا وهو يحدثنى عن سعادته بروايتى الأخيرة التي قرأها في جلسة واحدة.. لم أكن أعرف بماذا أرد بعد الارتطام العنيف وأنا أشبه السكران من الدوخة والألم. أغلقت السكة فطلبنى مرة أخرى وهو يعتذر عن انقطاع المكالمة ويستكمل مناقشتى في الكتاب. لم أدر ماذا أفعل.. هل أصارحه بحالتى وأحكى له عن السائق الغشوم الذي انحرف نحوى بسيارته منذ دقائق فاضطرنى للصعود على الرصيف والارتطام بالحائط، أم أخبره عن الآلام التي تمزق رقبتى وظهرى أم أطلب منه أن يطلبنى في وقت آخر؟.. الغريب أننى لم أفعل شيئا من هذا.. تركته يتحدث ويستعرض معى فصول الرواية، ثم وعدته باللقاء في أقرب فرصة وأنهيت المكالمة دون أن يعرف شيئا عن الحادث الذي ظللت أتعالج من آثاره لثلاثة شهور!.

والغريب أننى لا أغلق التليفون عند النوم أبدا.. دائما عندى إحساس بأن مكالمة مهمة قد تأتى في هذه الأثناء، رغم أن ما يأتى يتراوح غالبا بين مكالمات من شركات إبادة أو شركة تعرض فيلات لقطة بالتقسيط بمقدم عشرة ملايين جنيه! وهى مكالمات لا تفعل سوى إنهاك جهازى العصبى وهرس خلايا مخى، ومع ذلك لا أفقد الأمل معتقدا أن إغلاق الهاتف قد يمنع عنى الخبر الجميل الذي عشت أنتظره طوال حياتى رغم أننى لا أعرف طبيعة هذا الخبر!.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأرضى والمحمول الأرضى والمحمول



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab