الحالة الفرنسية

الحالة الفرنسية

الحالة الفرنسية

 عمان اليوم -

الحالة الفرنسية

بقلم:أسامة غريب

عندما احتاجت بريطانيا الاستعمارية إلى الأيدى العاملة الكثيفة لبناء مترو أنفاق لندن، فإنها لجأت إلى الهنود الذين أتموا المهمة على أكمل وجه ثم صاروا بمرور الوقت مواطنين بريطانيين، وتوالت الأجيال حتى صار واحدا من أحفاد هؤلاء العمال رئيسا لوزراء بريطانيا.

استعانت ألمانيا أيضا بالمهاجرين الأتراك بعد الحرب العالمية الثانية التى فقد فيها الألمان خيرة الشباب والرجال القادرين على العمل، ثم تم دمج هؤلاء المهاجرين فى المجتمع وصاروا مواطنين يتمتعون بحقوق المواطنة إلى حد كبير.

لكن فرنسا على العكس من المثالين السابقين عندما لجأت للاستعانة بأبناء مستعمراتها فإنها نظرت لهم نظرة فوقية عنيدة ورفضت أن تقر لهم بحقوق المواطنة أسوة بالفرنسيين البيض، رغم منحها إياهم الجنسية التى تخول لهم البقاء والعمل لخدمة فرنسا.

الذين أبدوا دهشتهم بعد مقتل الفتى نائل على يد شرطى جانح عليهم أن يدركوا أن مشكلة العنصرية تزداد تفاقما فى المجتمع الفرنسى، وليس أدل على ذلك من صدور قانون عام 2015 يُلزم المعلمين فى المدارس بإبراز مزايا الاستعمار الفرنسى وأثره فى تمدين شعوب آسيا وإفريقيا الغارقين فى الظلام!.

ولعل قانونا كهذا لن يفرز سوى تلامذة بيض يجهلون حقائق التاريخ ويحملون تراثا ثقافيا رديئاً لا يرى الفرنسى الأسود أو العربى مناظرا أو مساويا، وإنما مجرد كائن تصادف أن صار فرنسيا بفعل الضرورة الملعونة!.

هناك مشكلات نفسية تكمن فى بنية الدماغ التى لا تعترف بأن الاستعمار كان جريمة فى حق قارات بأكملها، ومما يفاقم الأزمة النفسية أن الفرنسيين يحملون غضبا مكتوما سببته الحرب العالمية الثانية، ذلك أن فرنسا قد خضعت للاحتلال الألمانى من خلال حكومة فيشى بقيادة الجنرال بيتان، وصارت تروّج من خلال الإعلام الفرنسى الحكومى للأفكار النازية!..

وحتى تحرير فرنسا قد تم على يد القوات الأنجلو ساكسونية (بريطانية وأمريكية وكندية وأسترالية) ولم يكن للفرنسيين دور كبير فى دحر النازية. هذه الحقيقة أربكت الفرنسيين وظلت تضغط على أعصابهم فخرجوا من الحرب، وقد ازدادوا شراسة فى معاملة أبناء المستعمرات، خاصة الجزائريين، وكانت المفارقة أن فرنسا كانت أول دولة فى التاريخ تتعرض للاحتلال.

بينما تمتلك مستعمرات خارجية فى عدة قارات!. إن مشكلة الفتى نائل لن تحلها محاكمة القاتل وإدانته، خاصة أن المجتمع الفرنسى قد جمع للشرطى القاتل مبلغا ماليا كبيرا يفوق ما تم جمعه للضحية.

ولهذا دلالة واضحة بأن هذه الجريمة لا تلقى الاستنكار الواجب، لكنها تجد حاضنة شعبية تبررها وتتخذ من الأحوال المعيشية السيئة لأهل الضحية وجيرانه سببا للتندر عليهم ونشر المقولات الكاذبة بحقهم فى صحف اليمين المتطرف.

بينما السلطة التنفيذية تفشل فى دمج المهاجرين ومنحهم فرصا متساوية للعمل والكسب والتفوق.. وعندما ينحرف بعضهم أو يجنح، فإنها تتخذ من ذلك ذريعة للاستمرار فى تهميشهم والزعم بأنهم غير قابلين للإصلاح.

الاعتراف بأسباب الخلل أول طريق العلاج وهو طريق بالنسبة للحالة الفرنسية شاق وطويل، يبدأ بالمدرسة ولا ينتهى فى أضابير التشريع وأروقة الحكم.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحالة الفرنسية الحالة الفرنسية



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab