الحالمون والسعادة المؤجلة

الحالمون والسعادة المؤجلة

الحالمون والسعادة المؤجلة

 عمان اليوم -

الحالمون والسعادة المؤجلة

بقلم:أسامة غريب

كثيرًا ما تطوف برأسى الأفكار عن حال الذين يؤجلون السعادة فى الغربة انتظارًا ليوم العودة إلى الوطن. مساكين هؤلاء الناس لأنهم يضيعون أعمارهم فى الخارج دون أن يتمكنوا من الإحساس بروعة اللحظة الآنية أو الاستمتاع بما فى يدهم اليوم انتظارًا للجنة الموعودة بعد الإياب من الغربة. شغلنى هذا الموضوع وكنت طرفًا فيه شخصيًّا بالنظر إلى السنوات التى عشتها مغتربًا. لقد عشت فى الخارج حياة طيبة، ومع ذلك أذكر أننى قضيت سنوات أنظر إلى غرفة الجاكوزى داخل البيت فى تهيُّب، ولا أجرؤ على أن أخطو داخل المغطس لأعيش هذه التجربة التى يقولون إنها ممتعة ومريحة. كنت أحاول إقناع نفسى بأن السبب هو أننى لا أريد التعود على هذا النمط من العيش المترف لأنه مؤقت ثم أعود بعدها إلى بيتى فى مصر حيث لا جاكوزى. لكن السبب الحقيقى أننى وضعت حاجزًا بينى وبين السعادة عندما تصورت أنه لا سعادة فى الحياة المؤقتة وفى الشقة العابرة التى سأفارقها بعد حين. وذات مرة كنت أقيم بمسكن رائع بأحد الأبراج السامقة المطلة على الخليج. كان المنظر من التراس أكثر من ساحر، والجالس بالبيت تكاد تلامس يداه صفحة الماء.. ما أجمله من مسكن وما أروعه من فيو، ومع ذلك كان إحساس بالضيق ينتابنى كلما تخيلت أن هذه الشرفة كان ينبغى أن تكون على النيل فى القاهرة حتى أحس بها!.

صديق لى أيضًا حدثنى عن إعلانات شقق وشاليهات للبيع بأسعار رخيصة فى رومانيا والمجر وتركيا وماليزيا، بأقل من ربع الأسعار فى مصر، وكان المعروض منها يقع فى أماكن طبيعية بديعة على ضفاف بحيرات أو بالقرب من مرتفعات مزروعة بالخضرة والورود، ورغم ذلك لم تراوده أبدًا فكرة الشراء لأنه رأى ألا قيمة لمسكن لا يستطيع الوصول إليه إلا بعد الحصول على تأشيرة قد تكون متاحة اليوم لكنها قد تصبح متعذرة غدًا بفعل السياسة وغيرها، لا قيمة لمسكن فى بلد تفصله عن صديقى جمارك وجوازات وصالات انتظار ورحلات طيران. والأمر هنا يختلف عن السفر للسياحة لأن من طبيعة السياحة ولزوم الاستمتاع بها إدراك المرء أنه غريب، بل استمتاعه بكونه غريبًا، وهو الأمر الذى يختلف تمامًا عن الإقامة لسنوات أو اقتناء بيت فى مكان لا جذور لك فيه حيث يكون القلق والوحشة جزءًا من الحياة.

لا شك أن الواقعيين والعقلانيين يُغضبهم هذا النوع من البشر الذين تشغلهم متابعة الحلم عن عيش الواقع، كما أنهم يفنون العمر مؤجلين للحياة فى انتظار سعادة مستقبلية فى الوطن غالبًا لن تأتى. أفهم هذا كله، لكنى أتفهم أيضًا إحساس الشاعر بدر شاكر السياب وهو يكتب لحبيبته من الغربة:

لو جئتِ فى البلد الغريب إلىَّ ما كمُل اللقاء

الملتقى بكِ والعراق على يدىَّ هو اللقاء

أتعاطف دومًا مع دوافع الحالمين المنتظرين لأننى ببساطة كنت واحدًا منهم!.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحالمون والسعادة المؤجلة الحالمون والسعادة المؤجلة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab