عن الأزمة بين الجماعة والحكم 1  2

عن الأزمة بين الجماعة والحكم (1 - 2)

عن الأزمة بين الجماعة والحكم (1 - 2)

 عمان اليوم -

عن الأزمة بين الجماعة والحكم 1  2

بقلم : عريب الرنتاوي

أن يقال بأن إغلاق مكاتب جماعة الإخوان المسلمين وختمها بالشمع الأحمر، إجراء قانوني مجرد، متخفف من السياسة، فتلك رواية لا تصمد طويلاً أمام النقد، وهي قاصرة عن تفسير الخلاف العميق، بين الحكم والجماعة ... الخلاف سياسيٌ بامتياز، والقرار سياسيُ بامتياز ... وفي ظروف أخرى، كان يمكن إيجاد ألف وسيلة ووسيلة لاحتواء السجال القانون حول شرعية أو “عدم شرعية” الجماعة من الوجهة القانونية، ولمَاَ كانت الأزمة وصلت إلى هذا “المربع” أصلاً.

والخلاف بين “اهل الحكم” والجماعة، غير مرتبط بسنيّ الربيع العربي الخمس الفائتة ... ربما تعمقت الخلافات بين الطرفين خلال هذه السنوات، وربما تفاقمت “المخاوف المتبادلة” خلالها ... الخلاف أبعد من ذلك بكثير، ويمكن “التأريخ” للافتراق الاستراتيجي بين الإخوان المسلمين والنظام السياسي في الأردن، إلى انتهاء حقبة الحرب الباردة وانهيار جدار برلين، حيث انتفت منذ لحظة الانعطاف الدولي تلك، مبررات استمرار “تحالف الحرب البارد”، الاستراتيجية أيضاً ... ومنذ تلك اللحظة، لم تلتق مواقف الجماعة بسياسات الحكم في الأردن، حول أية قضية مفصلية، محلية، إقليمية أو دولية.

زاد الطين بلّة، انقطاع أواصر التواصل وانسداد قنوات الحوار بين الطرفين ... لقد جرت مياه كثيرة في السنوات الأخيرة، وصعدت إلى مواقع صناعة في الدولة والجماعة على حد سواء، فئات وقيادات، لا لغة مشتركة فيما بينها، ولا “كيمياء” يمكنها أن تخلق أي نوع من أنواع “التفاعلات” ... لا ذكريات مشتركة يمكن استدعاؤها عند الأزمات، لتجديد هذا التحالف والتأكيد على “قيمته الاستراتيجية” والتذكير بالأدوار التي لعبها في حفظ الجماعة والنظام على حد سواء بسواء.

مخاوف “أهل الحكم” من الجماعة، سابقة للربيع العربي، فبعد تسجيل حماس فوزاً كاسحاً في انتخابات 2006 التشريعية، باحت الجماعة في لحظة انتشاء، برغبتها، أوقل “أهليتها” لفعل شيء مماثل ... يومها قُرعت الأجراس وأضيئت “اللمبات” الحمراء في غرف صنع القرار في الدولة ... وسيتعين على العلاقة بين الطرفين أن تنتظر سنوات خمسا أخرى، ليتحول “البوح عن الرغبة والاستعداد”، إلى “فرصة” للجماعة و”تهديد” للحكم، سيما إثر وصول الجماعات الشقيقة والصديقة للسلطة في كل من مصر وتونس والمغرب وقبلها في تركيا، و”الحبل يومها كان على الجرار” ... بدا أن سياسة “الصبر الاستراتيجي” التي اتبعتها الجماعة قد بدأت تعطي أكلها، بعد تسعين عاماً من الانتظار وقرابة القرن على سقوط الخلافة، وبدا أن أنظمة حكم ما بعد سايكس بيكو وما بعد الاستقلالات الوطنية العربية، في طريقها للانهيار.

جادلت الجماعة بأنها “حركة إصلاحية سلمية”، لا تسعى لتغيير النظام أو إسقاطه، وأنها تحت “سقفه” وليست “فوقه”... والحق يقال، أن ليس في أدبيات الجماعة أو حزبها، ما يخرج عن هذه القواعد، بيد أن سلوك جماعات شقيقة في دول أخرى، أثار القلق والتحسب، ليس في أوساط “أهل الحكم” فحسب، بل وفي عروق التيارات السياسية والفكرية الأخرى ... فقد تكشفت تجربة حكم الإسلاميين في عدة دول عربية، أنهم يميلون للمشاركة فقط حين تتعذر المغالبة، وأن “تمكين” الجماعة، يتقدم في سلم الأولويات على بناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية الحديثة... وأن العنف يمكن أن يكون خياراً في بعض الأحيان، وأن الرقص على حبال التحالفات والمحاور المتناقضة، خيار ممكن للجماعة، بدلالة تنقل بعض “فروعها” ما بين طهران وأنقرة والرياض والدوحة والقاهرة، بخفة، ومن دون تردد أو تلعثم... يومها كان يتعين على الجماعة أن تبذل جهداً إضافياً لبعث الطمأنينة وتمييز نفسها، وإجراء أعمق المراجعات لخطابها، والاستجابة لكل النداءات التي وجهت إليها بهذا الصدد، بيد أنها لم تفعل، حتى أنها ظلت وراء شقيقاتها في كل من المغرب وتونس، سياسياً وفكرياً وتنظيمياً.

للأزمة بين أهل الحكم والجماعة، أسبابها وسياقاتها الداخلية الخاصة، بيد أنها ليست معزولة عن سياقات الوضع الإقليمي المتفجر، واحتدام حروب المحاور والمذاهب والطوائف ... ليست معزولة عن صراعات السلطة في المنطقة، فأحد أسباب الحملة الإقليمية على الإخوان، أنها جماعة جماهيرية قوية، وربما تكون وحدها، المؤهلة للمنافسة على السلطة ... صحيح أنه يصعب الجزم بأن الجماعة تؤمن إيماناً عميقاً بـ “تداول السلطة” سلمياً وديمقراطياً، ولكن الصحيح كذلك، أن أهل الحكم في الأردن والمنطقة كذلك، ليسوا بوارد فتح الأبواب لتجربة تداول السلطة والتناوب عليها كذلك... ولو أن اليساريين أو القوميين، ظلوا على “جماهيريتهم” السابقة، في خمسينيات القرن الفائت وستينياته، لكانوا اليوم في قلب دائرة الاستهداف التي تحتلها الجماعة، كما كانوا من قبل، يوم أن كانت الجماعة في “حضن” معظم الحكومات والأنظمة التي ترتد عليها اليوم، وبقسوة في غالب الأحيان.

الجماعة كغيرها من تيارات الفكر والسياسة في الأردن والمنطقة، انتعشت في عامي الربيع العربي الأولين، لكنها كغيرها من هذه التيارات، والمؤكد أكثر من غيرها، سوف تدفع ثمناً باهظاً لانتكاسة ثورات الربيع العربي وانتفاضاته، وعودة “الدولة العميقة” و”حكم العسكر”، وسعي أنظمة وحكومات للتراجع عن مسار التحول الديمقراطي ... وعلى الفرحين بالهجمات المرتدة على الجماعة في غير دولة عربية، ، أن يجيبوا على سؤال: هل تأتي هذه الهجمات في سياق انفراج مسارات التحول الديمقراطي أم أنها تأتي في سياقات التراجع عن المكتسبات والحريات، يكاد يطاول الجميع، أحزاباً ونقابات ومجتمع مدني؟ ... سؤال يحاذر الشامتون والشتامون، من بقايا اليسار وفلول الليبراليين والقوميين و”مناضلو حقوق الانسان” في المنطقة، تجنب الإجابة عنه، مفضلين تسخير أنفسهم كأدوات في يد “العسكر” و”الدولة العميقة”، وغالباً، “الثورة المضادة”.

غداً سنتحدث عن تداعيات الأزمة ومستقبلاتها.

omantoday

GMT 22:20 2023 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد إعلان النتيجة

GMT 03:11 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

الحياة بلا «إخوان»

GMT 04:18 2018 الأربعاء ,22 آب / أغسطس

هشام وشادى

GMT 08:55 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

لا انتخابات مبكرة ولا قانون انتخاب جديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الأزمة بين الجماعة والحكم 1  2 عن الأزمة بين الجماعة والحكم 1  2



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab