تاريخ ما أهمله التاريخ «عبدالرحمن الكواكبى»

تاريخ ما أهمله التاريخ «عبدالرحمن الكواكبى»

تاريخ ما أهمله التاريخ «عبدالرحمن الكواكبى»

 عمان اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ «عبدالرحمن الكواكبى»

بقلم : مصطفى الفقي

بى شغف منذ سنوات الدراسة الجامعية بـ«عبدالرحمن الكواكبى» وفكره وكتبه، فهو ابن «حلب الشهباء»، الذى كان إشراقة مضيئة فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فكتابه «طبائع الاستبداد» يُعتبر مواجهة مبكرة لـ«الديكتاتوريات المعاصرة»، كما أن كتابه «أم القرى» يعكس على الجانب الآخر مفهومه للتنظيم الدولى الحديث.

وقد تقدمت ببحث وأنا طالب فى السنة الثالثة بـ«كلية الاقتصاد والعلوم السياسية» (مارس 1964) لأستاذى الراحل د. «بطرس بطرس غالى»، وكان عنوانه «الكواكبى والتنظيم الدولى الإسلامى»، وسعد د. «بطرس غالى» بالبحث اختيارًا وموضوعًا ودراسة، وقد ظل فكر «الكواكبى» يعاودنى برؤيته الرشيدة من حين لآخر، إلى أن اتصلت بى- منذ أسبوعين تقريبًا- حفيدته المقيمة فى «القاهرة» السيدة «ضحى الكواكبى»، وهى معنية بتراث جدها، وكانت قد لجأت لى منذ سنوات للتحدث مع السيد محافظ القاهرة الأسبق فى شأن «مقبرة الكواكبى»، فقد شاءت الأقدار أن تكون «مصر» هى مثواه الأخير، وبالفعل تحركت جهات لترميم «المقبرة» تقديرًا لقيمة ذلك الرجل، الذى انتصر للحرية ودافع عن حقوق الإنسان منذ أكثر من قرن من الزمان!

وقد قالت لى السيدة «ضحى» هذه المرة إنها تشعر بحزن شديد لأن وزارة التربية والتعليم حذفت لأول مرة موضوعًا بعنوان «الاستبداد والعلم» لـ«عبدالرحمن الكواكبى»، والذى كان يحتويه كتاب الصف الأول الثانوى، وطلبت منى أن أستفسر من السيد الأستاذ الدكتور وزير التربية والتعليم عن سبب ذلك، فى وقت تزايدت فيه مطالب الحرية بعد أحداث «الربيع العربى»، إذ هبت نسمات تعطى لكتابات «الكواكبى» قيمة ومذاقًا جديدين.

وقد اتصلت بالصديق الوزير أ. د. «الهلالى الشربينى»، وأعترف أنه كان مهتمًا كعادته بوضع الأمور فى نصابها والإجابة عن التساؤلات فى شفافية ودون تردد، وما هى إلا أيام قليلة حتى أرسل لى السيد الوزير رسالة هذا نصها:

«السيد الأستاذ الدكتور/ مصطفى الفقى، الكاتب والمفكر السياسى

تحية طيبة وبعد،،

فبالإشارة إلى الاستفسار عن مبررات حذف موضوع الاستبداد والعلم لعبدالرحمن الكواكبى من الصف الأول الثانوى للعام الدراسى 2015- 2016، أرجو التفضل بالإحاطة بأنه تتم مراجعة الكتب المدرسية وفق معايير محددة، ومنها ما يلى:

1- مواكبة المحتوى للمستجدات المحلية والإقليمية والعالمية.

2- التركيز على المهارات لا المعارف فقط.

3- البعد عن الموضوعات التى أثارت جدلاً فى الميدان.

4- التخفيف عن كاهل أبنائنا بحذف التكرارات.

ومن الكتب التى عُدلت فى ضوء ما سبق كتاب الصف الأول الثانوى، وقد كان عدد الموضوعات فى هذا الصف يزيد عن الوقت المخصص لتدريسها، فقامت اللجنة باستبعاد موضوع من كل وحدة من الوحدات الست التى يتكون منها الكتاب، وقد تم هذا الاستبعاد فى ضوء معايير معينة، ومنها ما ورد عاليه.

ومن الموضوعات التى تم استبعادها (الاستبداد والعلم) للكواكبى، و(الهدم والبناء) لأحمد أمين، و(قبول الآخر) لفوزى عيسى.. إلى آخره.

وقد تم هذا الحذف فى إطار منهجية موضوعية، وعلى سبيل المثال تكرر الحديث عن القيم التى يركز عليها درس الاستبداد والعلم للكواكبى مثل قيمة العدالة وقيمة العلم فى كثير من الدروس وفى كثير من الصفوف، لذا وتجنبًا للتكرار تم حذف الدرس المذكور.

ومن الجدير بالذكر أن القائمين على مراجعة الكتب المدرسية الخاصة باللغة العربية واتخاذ قرارات باستبعاد موضوعات معينة هم لجنة من المتخصصين من ذوى العلم والخبرة، ضمت فى عضويتها بعض أعضاء مجمع اللغة العربية وأساتذة الجامعات المصرية والباحثين فى المراكز البحثية التربوية والمعلمين والموجهين من ذوى الخبرة، والذين وضعوا فى حسبانهم نتائج التقارير الفنية التى وردت إلى الوزارة من الميدان.

هذا للتكرم بالعلم والإحاطة،

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،،

وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى


أ. د. الهلالى الشربينى».

وأنا إذ أحيى الوزير، الذى يتحمل عبئًا جسيمًا فى وزارة يهتم بها كل بيت مصرى، وتتأثر بقراراتها كل أسرة فى هذا الوطن، على سرعة استجابته لاستفسارنا، ولكن تبقى لنا عليه ملاحظات ثلاث:

1- إن مجرد تعرف طلاب الصف الأول الثانوى على اسمين كبيرين من حجم «عبدالرحمن الكواكبى» و«أحمد أمين» هو إنجاز فى حد ذاته، وقد تكون الموضوعات مكررة بالفعل ولكن قيمتها فى هذه الحالة تأتى من مصدريها الكبيرين اللذين يزهو بهما التاريخ «العربى والإسلامى»، فـ«أم القرى» و«طبائع الاستبداد» لـ«الكواكبى»، و«فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام» لـ«أحمد أمين» هذه نماذج تربت عليها أجيال، وتكونت معها عقول مادمنا نريد جيلًا رصينًا يستعيد لهذا الوطن جزءًا من أمجاده التعليمية ورحيقًا من تراثه الثقافى.

2- مع احترامى للجنة المشَكَّلة وخبرائها والمعايير التى استرشدت بها، إلا أننى لا أتحمس لقراراتها، وأعتبر أن للثقافة العربية حق الطعن فيما تقرر على أيديهم، ولا ينتقص ذلك من قدرهم الكبير، ولكنه يتمثل فى رؤية مختلفة ترى الأمور بمنظور آخر، لذلك فإنى أود أن تراجع اللجنة قراراتها، وأن توجز فى سرد كل موضوع من الموضوعات الستة المقررة بدلًا من أن تحذف موضوعين أو ثلاثة برمتها، فقليل الخير أفضل من عدمه.

3- إن المعيار الأول الذى تتم به مراجعة الكتب المدرسية- والذى ينص على مواكبة المحتوى للمستجدات المحلية والإقليمية والعالمية- يتعارض تمامًا مع هذا الحذف الجائر لموضوعات تبدو، اليوم، أكثر ارتباطًا بالتطورات المعاصرة والتغيرات التى طرأت على شكل الحياة الفكرية والثقافية داخل الوطن وخارجه.

لا أملك فى النهاية إلا أن أحيى الوزير الجاد، وأناشده إعادة الموضوع إلى اللجنة لعلها تجد فيما نقول ما يستحق مراجعة الموقف مرة أخرى!.

omantoday

GMT 10:31 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 10:30 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 08:47 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

الفلسطينيون بين التطبيع والتهجير

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هموم عربية

GMT 09:58 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

اعترافات ومراجعات (55).. يوم رحيل الزعيم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ «عبدالرحمن الكواكبى» تاريخ ما أهمله التاريخ «عبدالرحمن الكواكبى»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab