استهداف مسيحيى العريش

استهداف مسيحيى العريش

استهداف مسيحيى العريش

 عمان اليوم -

استهداف مسيحيى العريش

بقلم : مصطفى الفقي

كنت على يقين دائم من أن الإرهاب الذى تواجهه «مصر» فى «شمال سيناء» هو امتداد طبيعى لتنظيم «داعش»، وأن مسميات مثل «بيت المقدس» وغيره هى محاولات للتمويه وتشتيت الجهود، ولقد تأكد لى ولغيرى- بعد استهداف المسيحيين فى العريش- أننا نحارب تنظيم «داعش» بالدرجة الأولى، إذ إن قتل المسيحيين ومحاولة التهجير القسرى لهم بالترهيب والتخويف هو واحدة من سمات ذلك التنظيم الإرهابى، الذى فعل ذلك من قبل واستهدف القرى غير المسلمة وطارد المسيحيين فى الأماكن التى دخل إليها، فتلك واحدة من خصائص ذلك التنظيم الدموى وتصرفاته المعهودة وهو يقوم بعملية تعقب مستمر لغير المسلمين من مسيحيين ويزيديين فى «العراق» إلى غيرهما من المِلَل والنحل التى تستهدفها عناصر ذلك التنظيم، الذى لا يعبر عن دين ولا يعكس قومية ولا يحمل ذرة من الإيمان بالإنسان أو تراثه الحضارى أو قيمه الفكرية، وهل نسينا أن ذلك التنظيم الباغى قد عصف بالآثار الرائعة والتراث الباقى للإنسانية فى المناطق التى احتلها؟، ألم ينهب المتاحف ويسرق الآثار ويضرب بجنون على غير هدى فى كل اتجاه؟ ولعلى أضع القارئ أمام الاعتبارات الآتية:

أولًا: إن أزمة مسيحيى الشرق التى امتدت من العراق إلى لبنان قد سرى لهيبها ليصل إلى الوطن المصرى، قاصدًا أبناء الكنائس المصرية بترويعهم حتى يتركوا مساكنهم ويهجروا بيوتهم صوب مدن القناة وقرى الوادى الخصيب، إنها جريمة جديدة تمثل محاولة خبيثة لتشويه جديد لصورة الإسلام الحنيف، وتعبير قمعى عن التطرف فى أقصى درجاته ومحاولة حمقاء لإدخال «مصر» ولو عبر حدودها الواسعة فى أتون موجات التعصب وجرائم الإرهاب التى تجتاح المنطقة، والذين يحاولون ضرب الاستقرار فى «مصر» إنما يستهدفون رجال القوات المسلحة، ثم الشرطة، فضلًا عن السياح الأجانب، وصولًا إلى أقباط «مصر»، الذين حاربوا فى كل معارك الوطن ضد أعدائه، فإذا بنا نرى هذا الامتداد السرطانى يعبر الحدود المصرية لكى يُطيح بأمن المدنيين لا لذنب اقترفوه أو جرم فعلوه ولكن لأنهم يرفعون صليبًا ويصلون فى كنيسة ويؤمنون بالعقيدة المسيحية، ولذلك فإن ما يحدث هو جريمة فى حق الإسلام المفترى عليه، والذى يجرى الزج به فى خضم تلك الجرائم النكراء.

ثانيا: إن المقصود باستهداف المسيحيين المصريين هو توسيع رقعة الصدام مع الدولة المصرية ومحاولة تشتيت جهود الأمن المصرى وسكب الزيت على النار فى شمال سيناء المشتعل أصلًا، كما أن الأمل يراود أصحاب هذه الجرائم فى أن يخلقوا فتنة طائفية، فى بلد تبدو فيه وحدته الوطنية هى أغلى ما يملك وأعز ما يحافظ عليه، انطلاقًا من تراثه الطويل وتاريخه العريق، ولقد لفت نظرى أن المصريين جميعًا قد انتفضوا بشدة أمام هذه الجرائم الجديدة، ورأيتهم وهم يدركون أن الطعنة موجهة إليهم، وأنه لا فارق بين مسلم ومسيحى أمام الرصاص الغاشم والسلاح الغادر، بل إننى رأيت بعض رجال الأعمال المسلمين يهرعون إلى تقديم العون للأسر المهاجرة، ويضعون تحت تصرفهم إمكانات معيشية وتعليمية يحتاجونها، لأن الرسالة قد وصلت للجميع، وهى أن الإرهاب لا يتغير ولكنه يرتدى من حين لآخر ثوبًا مختلفًا يعبر به عن التشدد والتعصب والغلو والتطرف والعنف.

ثالثًا: لقد كنت فى زيارة لمدينة «الإسماعيلية» منذ يومين لإلقاء محاضرة فى جامعة قناة السويس حول موضوع (مصر.. إلى أين؟) وشعرت بأن المدينة الجميلة تفتح أبوابها لتحتضن أبناء الوطن من النازحين، الذين استضافتهم الكنائس ودور الشباب ومنازل الأقارب، ولكن ظلت فى «العريش» أربعمائة أسرة مسيحية فرضت عليهم ظروف الحياة البقاء فى أماكنهم، ولكنها بالتأكيد حياة صعبة فى ظروف معقدة، وهم يحتاجون إلى مَن يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف، إذ ليس هناك ما هو أصعب من أرق الخائف ليلًا وتوتره نهارًا، وذلك حال أشقائنا المسيحيين، الذين يتوقعون الغدر فى أى لحظة والتصفية الجسدية فى أى وقت، ولعل القتل على الهوية هو أمر لم تعرفه «مصر» المتحضرة عبر تاريخها الطويل، ومازلنا نتذكر مذبحة الأقباط فى «ليبيا» وكيف ثأر لها الجيش المصرى بعد ساعات قليلة من وقوعها، إذ إن الاعتداء على المصريين- أقباطًا أو مسلمين- هو خطيئة فى حق وطن مسالم لم يبدأ بعدوان ولم يمارس سياسات تستهدف الغير، وسوف يظل مشهد قتل عجوز مصرى مسيحى فى «العريش» وحرق ابنه نتوءًا فى الذاكرة المصرية لا تمحوه الأيام.

رابعًا: إن الذين يظنون أنهم باستهدافهم الأقباط، إنما يضربون فى نقطة ضعف لدى الشعب المصرى، فالعكس صحيح تمامًا، فالأقباط عرفوا عبر تاريخهم الطويل التضحية والصبر ومواجهة الطغيان الذى انتصروا عليه فى كل أوان، إن الأقباط هم الذين عرفوا (عصر الشهداء) وتمسكوا بمصريتهم ودافعوا عن وطنهم الذى يحتويهم ويضمهم مع أشقائهم المسلمين، ولذلك سوف يظل الأقباط إحدى الصخور المصرية المنيعة التى لا يؤثر فيها أحد. خامسًا: إن «داعش» الذى يستهدف الآن مسيحيى «مصر» قد استهدف قبلهم المسلمين بالآلاف فى مختلف الأقطار العربية، فالجريمة لا حدود لها، وتظل يد الجانى ملطخة بالدماء دون تفرقة أو تمييز. إن قلبى مع أشقائى من أسر شهداء «العريش» أو النازحين منها، وهو أمر يؤكد لنا يومًا بعد يوم أنه لابد لكل ظلم من نهاية، والذين يتصورون أنهم يفرون من «العراق» و«سوريا» بجرائمهم ليواصلوا ارتكابها فى «مصر» نقول لهم عبارة واحدة، هى: «إن أرض (الكنانة) تحرق مَن يعاديها، ولو بعد حين»!.

 

omantoday

GMT 10:31 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 10:30 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 08:47 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

الفلسطينيون بين التطبيع والتهجير

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هموم عربية

GMT 09:58 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

اعترافات ومراجعات (55).. يوم رحيل الزعيم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استهداف مسيحيى العريش استهداف مسيحيى العريش



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab