في حضرة العلماء

في حضرة العلماء

في حضرة العلماء

 عمان اليوم -

في حضرة العلماء

بقلم - مصطفى الفقي

«إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ»، تعكس هذه الآية الكريمة مكانة العلم والعلماء عند الله، والذين لا يفكرون فى هيبة العلماء ومكانتهم إنما هم أولئك الذين لا يَغْشَوْن مجالسهم، ولا يحملون على كواهلهم توقير العلماء واحترام أهل المعرفة، «هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، فأهل العلم هم حراس مفاتيح التنوير، وحمَلة مصابيح التقدم، ومَن لا يُقدِّر فضل العلماء لا يعى من أمره شيئًا، حتى إنه ورد فى تاريخ الأئمة أن الإمام «الشافعى»، رضى الله عنه، قد سعى إلى طلب رأى فقهى من أحد مشاهير عصره، وعندما ذهب إليه وجده يداعب حصانه بعلف وهمى، فعاد «الشافعى» من حيث أتى لأنه رأى أن مَن يخدع الحيوان سوف يخدع الإنسان، وهو ذاته الإمام الذى جلس إلى أحد أئمة عصره الكبار يستفتيه فى أمر ما، فلما أجابه ذلك العالِم إجابة لا تليق بمكانته ردد الإمام عبارته الشهيرة: «لقد آن للشافعى أن يمد رجليه» لأنه لم يجد سببًا لتوقير ذلك العالِم، فعبّر عن موقفه بذلك التصرف التلقائى، وقد دُعيت شخصيًا ذات مرة للقاء مسؤول كبير فى العاصمة البريطانية، عندما كنت أعمل بالسفارة فى أوائل سبعينيات القرن الماضى، وجلست فى حضرته متأدبًا ومنصتًا، فإذا به يسألنى: ما تفسيرك لما يجرى فى لبنان عند بدايات الحرب الأهلية؟، وبدأت أشحذ ذهنى وأجمع أفكارى شارحًا أن ما يجرى على الأرض اللبنانية هو محصلة لأمراض العرب جميعًا فى كافة أقطارهم، فأجابنى الرجل، الذى نوقره كثيرًا ويعتز به السلك الدبلوماسى المصرى، قائلًا: إن الأمر ليس كذلك، إن الذى حدث أننا قد حُسدنا بعد نصر أكتوبر، فكانت هذه هى النتيجة!، وراعنى أنه كان مقتنعًا بما يقول ومتمسكًا برأيه، وقال لى: «ألم يأتِ ذكر الحسد فى القرآن الكريم، (ومن شر حاسد إذا حسد)؟!»، فأيقنت أننا لسنا فى جلسة علمية ولا فى حوار دبلوماسى، ولكننا أمام فهم خاص للأمور ربما بمنطق العمر المتقدم أو إرهاق السنين فى ظل ظروف صعبة مرت بها مصر وتحمل المسؤولون فيها أعباءً جسامًا، وعندما كنت أجلس إلى زميل دراستى «أحمد زويل» فى سنواته الأخيرة كنت أصغى بانتباه واحترام مثلما أفعل فى حضرة أهل الذكر الذين دعانا الله إلى سؤالهم إن كنا لا نعلم: «واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، ولقد حرصت الحضارات والديانات والثقافات على احترام العلماء وتبجيلهم لأن تداول المعرفة هو واحد من شروط التقدم، وإذا كنا نقول إن العلم لا وطن له، إلا أننا نضيف مباشرة: ولكن للعلماء أوطانهم التى ينتمون إليها ويدافعون عنها، وأسوق هنا بعض النماذج التوضيحية، فلقد ذكر بعض الأدباء عندما حصل «نجيب محفوظ» على جائزة نوبل أن «توفيق الحكيم» كان هو الأحق، ولكن التوجهات الفكرية لنجيب محفوظ كانت مواتية للعقلية الغربية أكثر من فيلسوف المسرح، المفكر العظيم، «توفيق الحكيم»، لذلك لم يحصل «نجيب محفوظ» على «نوبل» إلا فى العام التالى على وفاة «توفيق الحكيم» لأن تخطيه كان أمرًا لن يكون مقبولًا، كذلك فإن «يوسف إدريس»، عبقرى القصة القصيرة، قد رحل عن عالمنا هو الآخر وفى قلبه لوعة بعد أن ظلت الشائعات ترشحه لتلك الجائزة لعدة سنوات، وما أكثر الانتقادات التى تُوجَّه إلى حمَلة نوبل بالحق أو الباطل، وأنا أتذكر أن «زويل» قد تلقى طعنات كثيرة بزعم أنه ذهب إلى «إسرائيل»، ولم يكن بعيدًا عن الدوائر العلمية فيها، وغاب عن هؤلاء أنه فى فروع العلوم والتكنولوجيا يصعب تخطى العلماء اليهود فى الجامعات الغربية أو فى إسرائيل ذاتها، ونكرر هنا مرة أخرى أن العلم لا وطن له ولكن للعلماء أوطانهم.

وأنا شخصيًا عندما أجلس إلى بعض علمائنا ومفكرينا أشعر بالمتعة الحقيقية والرياضة الذهنية والهندسة العقلية، التى تعرف ترتيب الأولويات وجدولة الذهن وتؤمن بأن لكل مقام مقالًا، وأن التعمق فى فقه الأولويات هو الذى يميز مَن يعلمون عمن لا يدركون.

omantoday

GMT 06:26 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

صوت «المشتركة» في ميزان إسرائيل الثالثة

GMT 06:21 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

إضراب المعلمين وسياسة تقطيع الوقت لمصلحة من ؟

GMT 06:18 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

خمسة دروس أردنية من الانتخابات التونسية

GMT 06:15 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

البعد الطائفي في استهداف المصافي السعودية

GMT 06:12 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

وادي السيليكون في صعدة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حضرة العلماء في حضرة العلماء



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 19:51 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 04:59 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:18 2025 الأحد ,13 إبريل / نيسان

قيمة التداول العقاري في عُمان تتراجع 64%

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 04:06 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الأضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 21:10 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:52 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 05:08 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

برج الثور عليك أن تعمل بدقة وجدية لتحمي نفسك

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon