حديث المصالحة مع «الإخوان»

حديث المصالحة مع «الإخوان»

حديث المصالحة مع «الإخوان»

 عمان اليوم -

حديث المصالحة مع «الإخوان»

بقلم:عمرو الشوبكي

يتصاعد بين حين وآخر «حديث المصالحة» مع جماعة «الإخوان المسلمين» بمبادرة تأتي من داخل السجون أو من خارجها، أو من الاثنين معاً، مثلما تردد في مصر في نهايات شهر أغسطس (آب) الماضي، من أن الجماعة طرحت مبادرة تعلن فيها أنها ستتوقف عن القيام بأي عمل سياسي لمدة 15 عاماً، وتعتذر عما قامت به من ممارسات في أعقاب سقوط حكم «الإخوان» في 2013، مقابل الإفراج عن عناصرها، وطَيِّ صفحة الماضي.

والحقيقة أن معضلة النقاش حول المصالحة مع «الإخوان» أنه يخلط بين مصالحة مقبولة مع أفراد راجعوا فكرهم، أو رفع مظالم عن أفراد أيضاً لم يرتكبوا عنفاً ولم يحرِّضوا عليه، وبين الموقف من صيغة الجماعة نفسها، والتي تظل إشكاليتها مختلفة تماماً عن مسألة التصالح مع الأفراد.

إن أزمة جماعة «الإخوان المسلمين» ليست -فقط أو أساساً- في ممارسات خاطئة ارتكبتها، ولا في خطايا قادتها، وسيطرة القطبيين على مفاصلها، إنما أساساً في صيغتها وبنيتها التنظيمية القائمة على وجود جماعة دينية عقائدية تدخل المجال السياسي بشروطها، بوصفها جماعة دينية، وليس بشروط الحزب السياسي المدني، وهي الصيغة التي تحمل في ذاتها فشلاً حتمياً لـ«الإخوان» وأي جماعة دينية أخرى تقتحم المجال السياسي بشروطها الدينية، بصرف النظر عن طبيعة النظام القائم؛ لأنها صيغة فريدة حملت جوانب قوة، ولكن هذه الجوانب كانت هي عوامل الأزمة والفشل.

لقد استغلت جماعة «الإخوان» ظروف ما بعد «ثورة يناير (كانون الثاني)» من انفتاح سياسي وفوضى، وأسست حزباً سياسياً سمَّته «الحرية والعدالة»، كان مجرد واجهة للجماعة الدينية التي ربت أعضائها على رفض الأحزاب ومبادئ الدولة المدنية الحديثة، حتى لو قال بعض قادتها العكس؛ لأن من شروط بناء الدولة المدنية الحديثة هو تداول السلطة بين أحزاب وقوى مدنية، وليس مع جماعة دينية مشروعها الحقيقي هو التمكين.

لقد تبنى «الإخوان المسلمون» منذ بداية تأسيسهم في عشرينات القرن الماضي خطاباً لم يعتمد على العمل السياسي بصيغته الديمقراطية أو الدستورية، إنما ركزوا على الجوانب التربوية والدعوية، ورفض حسن البنا التعددية الحزبية، ورأى أنها «أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم، وعطلت مصالحهم، وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها في حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر».

وعدَّ الرجل الحزبية منافية لمبادئ الإسلام: «لأن الإسلام هو دين الوحدة في كل شيء، فضلاً عن أن الأمة الواحدة والشعب الواحد لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه».

معضلة البنية العقائدية لـ«الإخوان» أنها ظلت ترى نفسها فوق المنظومة الحزبية التي دخلت فيها من دون أن تلتزم بقواعدها، ورأت أن «الجماعة فوق الجميع»: فوق الحزب الذي أسسته، وفوق الوطن والدستور والقانون. ويكفي أن الجماعة أنشأت مقرات لها في كل مدن الجمهورية عقب «ثورة يناير»، وفي الوقت ذاته رفضت أن تقونن أوضاعها وفق قانون الجمعيات الأهلية، وقالت إنها لا تعترف به، ورأت أنها جماعة فوق القوانين الموجودة، على عكس تجارب التيارات السياسية المدنية الناجحة، التي تنطلق من احترام الدستور والقانون القائم، ثم تبدأ بعد وصولها للحكم في تعديل ما تختلف فيه.

لقد انتشرت مقرات الجماعة في محافظات مصر المختلفة في أشهر قليلة، ولم تجد سلطة تجبرها على قوننة وضعها القانوني ومراقبة حساباتها وأموالها، حتى تحولت إلى تنظيم فوق الدولة والقانون؛ بل وصل مرشح الجماعة غير القانونية لسدة الرئاسة، وظلت جماعته تهيمن على توجهات الرئاسة والحزب، وترسم له تحركاته بوصفه ذراعها السياسية، فهل سمع أحد في الدنيا عن جماعة دينية لها ذراع أو أرجل أو أصابع سياسية، إلا مع تنظيم «الإخوان»؟

أزمة جماعة الإخوان منذ تأسيسها عام 1928 في صيغتها وبنيتها التنظيمية، فقد أرادت أن تقتحم المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية بشروطها بوصفها جماعة دينية. وإن أزمتها الكبرى اتضحت حين وصلت للسلطة في 2012، فعمقت خطأها التاريخي بأنها عدَّت الجماعة الدينية هي القيمة العليا والهدف، ومنها تتفرع بقية الأنشطة، مثل الحزب السياسي الذي رفضت فصله عن الجماعة الدينية، إنما تحول لمجرد ذراع لها، ولذا لم يكن مشروعها طوال العام الذي حكمت فيه تأسيس دولة قانون، أو القبول بمبدأ تداول السلطة، إنما كان مشروع تمكين بامتياز؛ لأن عناصره تربَّت داخل تنظيم ديني عقائدي، يرتاب في المجتمع، ويكره قوانين الدولة ومؤسساتها، ويتمنى التخلص من خصومه ما لم يكونوا «إخوة له في الجماعة الربانية» وتجاهلت قواعد العمل السياسي في أي دولة حديثة، وهي الأحزاب المدنية، سواء كانت محافظة («العدالة والتنمية» في تركيا) أو ليبرالية (الحزب «الديمقراطي» في أميركا) أو يسارية (حزب «فرنسا الأبية») وليس الجماعة الدينية التي يكون نتيجة حكمها الفشل المدوي.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث المصالحة مع «الإخوان» حديث المصالحة مع «الإخوان»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab