هل تُزهر الأشجار في السودان

هل تُزهر الأشجار في السودان؟

هل تُزهر الأشجار في السودان؟

 عمان اليوم -

هل تُزهر الأشجار في السودان

بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

عندما بدأت الاحتجاجات الشعبية في مدينتي بورتسودان وعطبرة في 19 ديسمبر الماضي، ثم امتدت إلى مدن أخرى من بينها الخرطوم، لم يكن المشهد العام مختلفاً في ظاهره عما حدث في بلدان عربية أخرى في الفترة بين ديسمبر 2010، ومارس 2011، باستثناء موقع جماعة «الإخوان» ودورها.

وإذا استبعدنا تفاصيل لا بد أن تكون مختلفة، نلاحظ كثرة المشتركات بين ما حدث في السودان، وفي تلك البلدان من قبل. فقد بدأت الأحداث الأولى، في معظم هذه البلدان، في مدن بعيدة عن العاصمة، مثلما حدث في السودان. فقد بدأت أحداث تونس في بلدة بوسعيد في 17 ديسمبر 2010. وفي ليبيا كانت مدينة بنغازي مهد الاحتجاجات في 17 فبراير 2011، وكذلك سوريا إذ أُشعلت الشرارة الأولى في مدينة درعا بدءاً من 10 مارس 2011.

واختلف الوضع جزئياً في كل من مصر واليمن، إذ كانت البداية في العاصمة، انطلاقاً من القاهرة في 25 يناير، وصنعاء في 11 فبراير 2011. لكن في مصر، بدأت الأحداث في مدينتي الإسكندرية والسويس، إلى جانب القاهرة. وفي كل هذه البلدان، بدا المشهد العام في الأيام الأولى مُبشراً، ومن ثم مُغرياً بالحديث عن «ربيع عربي».

ورغم أن الربيع لا يُعد أفضل فصول العام بالنسبة للجميع، لأن الأمر نسبي، فقد شاع استخدامه للدلالة على أي تحرك يُعتقد أنه سيُثمر وضعاً أفضل، منذ أن صكت وسائل إعلام غربية هذا التعبير عام 1956 لوصف الاحتجاجات التي شهدتها المجر (هنغاريا) ضد الحكم الحليف للاتحاد السوفييتي حينها، إذ أسمتها «ربيع بودابست». لكن رغم الأصل الغربي لتسييس تعبير الربيع، فقد استُخدم في بداية الاحتجاجات التي شهدتها البلدان العربية المشار إليها، ربما تأثراً بمعناه الوارد في المعاجم، وهو الفصل الذي يُزهر فيه الشجر ويُنبت النبات.

لقد بدا في الأيام الأولى لأحداث تونس وليبيا وسوريا ومصر واليمن أن الأشجار الذابلة في هذه البلدان ستُزهر، قبل أن يحدث العكس، وتكفهر الأجواء، وتتدهور الأوضاع بدرجات مختلفة، ويدخل بعضها نفقاً مظلماً لم يخرج منه حتى الآن.

ولذا، فعندما بدأت الاحتجاجات في السودان، بدا صعباً التفاؤل بمسار مختلف بفعل مآلات التجارب السابقة. غير أنه لم تمض أسابيع حتى ظهرت مؤشرات أولى على أن المسار قد يختلف. ومع ذلك، لم يبدأ الاطمئنان إلى أن المسار في السودان مختلف إلا عندما نجحت المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في التوصل إلى اتفاق سياسي في 17 يوليو الماضي، ووثيقة دستورية في 3 أغسطس، وإجراء مراسم التوقيع النهائي عليهما بمشاركة إقليمية ودولية في 17 من الشهر الجاري.

وحين نتأمل العوامل التي أدت إلى إحراز هذا التقدم في السودان، على نحو قد يُجيز الحديث عن «ربيع سوداني»، نجد أن الاختلاف الجوهري مع البلدان الأخرى يكمن في موقع الحركات «الإخوانية». في السودان فقط، كانت الحركة «الإخوانية» هي القاعدة الأساسية للنظام الذي استولى على السلطة عام 1989. ولذا كانت الاحتجاجات موجهة ضدها، بخلاف الحال في الأحداث التي بدأت نهاية 2010 وبداية 2011، حيث تمكنت الحركات «الإخوانية» من القفز عليها واستخدامها في سعيها للهيمنة على السلطة. فكانت هذه الحركات وأحزابها هي السبب الأول لتبديد ما بدا أجواء «ربيع»، وتحولها إلى حروب أهلية في ثلاث من البلدان الخمس التي شهدت تلك الاحتجاجات. وربما لا يكون هناك دليل على الدور التخريبي للحركات «الإخوانية» أقوى من هذه المقارنة، خاصة حين نكملها باستذكار ما حدث في السودان عقب احتجاجات 1985 التي شاركت الحركة «الإخوانية» فيها، وهي تُضمر الانقلاب الذي نجحت في تحقيقه بعد 4 أعوام، وإقامة دولة دينية خربت السودان وقسمته، وجعلته في وضع أسوأ من أي من البلدان الخمسة التي أفسدت نظيرات تلك الحركة «مشاريع الربيع» فيها.

فلنُفتش، إذن، عن موقع الحركة «الإخوانية» لنعرف مغزى الفرق بين المسار الذي يُبشر بإزهار الأشجار في السودان الآن، وما حدث في تلك البلدان، ومازال يحدث في معظمها. وأياً يكون مآل المسار السوداني في النهاية، يكفي التقدم الجاري فيه حتى الآن للدلالة على أن غياب الحركة «الإخوانية» عامل رئيسي في تحقيق أي نجاح، وأن حضورها يؤدي إلى إرباك، ويُعمّق أي خلاف، ويخلق انقساماً، فيكون الفشل نتيجة طبيعية لهذا الحضور.

omantoday

GMT 00:04 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

المال الحرام

GMT 14:47 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين: رجل الضريح ورجل النهضة

GMT 14:45 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

رؤية تنويرية لمدينة سعودية غير ربحية

GMT 14:44 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن

GMT 14:43 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

... في أنّنا نعيش في عالم مسحور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تُزهر الأشجار في السودان هل تُزهر الأشجار في السودان



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab