بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
كأنه كان على موعد. وصل إلى رئاسة حكومة كندا فى الوقت المناسب تمامًا. ليس زائرًا لتقديم استشارة أو رأى هذه المرة، بل مقيمُ لأشهر أو لسنوات حسب ما ستئول إليه الأوضاع السياسية الداخلية فى كندا. مصرفىُ لا يُشق له غبار فى عالم المال والأسواق، وليس سياسيًا مخضرمًا أو حتى غير مخضرم. لم يمارس السياسة من قبل. هذا ما تحتاجه كندا اليوم تحديدًا. تحتاج إلى من يقود حكومتها فى الحرب التجارية المفروضة عليها بالعلم والمعرفة وليس بالخطب والشعارات. وهذا ما يستطيعه مارك كارنى الذى أحسن أعضاء الحزب الليبرالى فى كندا صنعًا عندما اختاروه فى انتخابات الحزب الداخلية لخلافة جاستن ترودو فى رئاسته, وبالتالى فى رئاسة الحكومة. أعطوه أغلبية كبيرة تقترب من الإجماع، إذ حصد نحو 86% من الأصوات، رغم وجود ثلاثة مرشحين آخرين وراء كل منهم تاريخ سياسى حافل، وكان بينهم وزيرة المال السابقة كريستيا فريلاند.
يعبر اختيار كارنى, والحال هكذا, عن مستوى مرتفع من الوعى السياسى بمتطلبات المرحلة. ليست الخبرة السياسية هى المطلوبة الآن، بل الخبرة المصرفية, والاقتصادية عمومًا, التى اكتسبها من عمله الطويل فى مجال المصارف وأسواق المال علاوةً على معارفه الأكاديمية. فقد عمل محافظًا لبنك كندا ثم بنك إنجلترا، وهما اثنان من أهم المصارف المركزية وأكبرهما فى العالم. كما اشتغل فى شركاتٍ كبرى لإدارة الأصول والاستثمار مثل جولدمان ساكس وبروكفيلد وبلومبيرج. وهو الذى أخذ البنك الكندى إلى بر الأمان خلال الأزمة المالية العالمية الكبيرة التى بدأت فى 2008. وهو أيضًا من قاد بنك إنجلترا فى مرحلة بالغة الصعوبة شهدت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بكل تداعياته الاقتصادية والمالية.
وكارنى فى الأساس أستاذُ فى الاقتصاد، تخرج فى جامعة هارفارد ونال درجة الدكتوراه من جامعة أوكسفورد، وأصدر عددًا من الكتب فى مجال تخصصه, فاجتمعت لديه المعرفة العلمية والخبرة العملية كأفضل ما يكون بالنسبة إلى ظروف كندا اليوم. ويأتى توليه رئاسة حكومة كندا فى الوقت الذى يستعد لصدور كتابه الجديد «حان الوقت لبناء كندا أفضل» فى مايو المقبل.