عادل عبد المهدي والفرصة الأخيرة

عادل عبد المهدي والفرصة الأخيرة

عادل عبد المهدي والفرصة الأخيرة

 عمان اليوم -

عادل عبد المهدي والفرصة الأخيرة

بقلم - مصطفى فحص

لن يتردد رئيس الوزراء العراقي المكلف الدكتور عادل عبد المهدي، في تقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة، إذا ما أصرت القوى السياسية العراقية على مطالبها في الحصول على حصصها الوزارية، كما أنه لن يتردد مستقبلاً في تقديم استقالة حكومته، إذا أقدمت الأطراف المشاركة فيها على عرقلته في تنفيذ مشاريعه، أو حاولت فرض أجندتها عليه، فعبد المهدي الذي اُختير لكونه شخصية مستقلة غير محسوبة على جهة سياسية، لا يُلزمه وجوده على رأس الحكومة حماية مصالح أطراف معينة، ما يسهل عليه الخروج من السلطة بأقل الخسائر والابتعاد عن مستنقع الأزمات التي تراكمت على مدى 15 سنة، وذلك نتيجة صعوبة التعايش الذي قد تواجهه مستقبلاً مع أطراف لم تُقدر حتى الآن حجم المأزق الذي وصلت إليه العملية السياسية، والتي باتت على مشارف نهاية مأساوية، وهي مطالبة الآن بالتخلي ولو قليلاً عن أنانيتها.
ولكن في الوقت الذي يمر فيه الكيان العراقي بأزمة بنيوية، تتمسك هذه القوى بما تبقى من هيكلية الدولة الزبائنية، وتصارع للحفاظ على دورها الريعي الذي يؤمّن لها حضوراً اجتماعياً وسياسياً، على حساب المصلحة الوطنية، فهذه القوى على الرغم من إعلانها أنها ليست متمسكة بالحصول على حقائب وزارية، فإنها تخوض مفاوضات شرسة في الغرف المغلقة من أجل الحصول على غنائم وزارية توفر لها خدمات اجتماعية ووزارات تستخدم من خلالها ملكيات الدولة العامة في مشاريع حزبية خاصة.
فحتى اللحظة لم تتنازل هذه الطبقة السياسية عن مبدأ المحاصصة، لكنها تخلت عن شكلها الكلاسيكي السابق الذي استند إلى أحجام الكيانات العراقية، ولجأت حالياً إلى المحاصصة الحزبية لكي تبرر مطالبها بمواقع وزارية كونها تستند إلى استحقاقات انتخابية، وقد عبر عن هذا التوجه الجديد المتحدث باسم كتلة الفتح النائب أحمد الأسدي، الذي أكد أن «المحاصصة ستكون وفق التحالفات السياسية وليس على أساس حصص المكونات من الشيعة والسنة والأكراد». موقف الأسدي الذي يمثل ميليشيات الحشد الشعبي في البرلمان العراقي يتناقض كلياً مع الموقف الذي روّجت له كتلة الفتح سابقاً بأنها غير متمسكة بالحصول على حقائب وزارية، ويكشف عن نيات مسبقة لعرقلة دعوات الدكتور عبد المهدي إلى تأليف حكومة من شخصيات تكنوقراط مستقلة، خصوصاً أن الرئيس المكلف كان قد أعلن مسبقاً رفضه أي مرشح مستقل من الأحزاب لشغل منصب حكومي، فقد اعتبر عبد المهدي أن «المستقل الذي سيرشَّح عن طريق الأحزاب قد لا يبقى مستقلاً على الأغلب». فشخصية عبد المهدي المركبة والمتعددة التجارب أهّلته لشغل مناصب مهمة في مرحلة المعارضة سابقاً وفي مرحلة السلطة لاحقاً، وتأهله في هذه المرحلة للعب دور المنقذ للطبقة السياسية من الانهيار الكامل.
وفي حال فشله في إدارة فترة انتقالية عنوانها إعادة تأهيل العراق إلى مرحلة ما بعد 2003، ستقع المسؤولية على المنظومة الحزبية والعقائدية التي حكمت العراق 13 سنة، واستطاعت تأسيس دولة عميقة سيطرت على مفاصل الدولة ومؤسساتها، وتمكنت من تعطيل كل الإجراءات الإصلاحية حتى التي أتت من داخل منظومتها الحزبية والتي دعا إليها في السنوات الأخيرة رئيس الوزراء السابق الدكتور حيدر العبادي.
وعليه فبعد أن وصلت منظومة المحاصصة الحزبية التي حكمت العراق ما بعد صدام حسين إلى مرحلة السقوط الكامل، وجعلت المجتمع العراقي يواجه واحدة من أخطر الأزمات في تاريخه الحديث التي تهدد كيانه ودولته، لجأت إلى الاستعانة بعبد المهدي باعتباره الفرصة الأخيرة التي يمكن الرهان عليها في إنقاذ ما تبقى من الدولة 2003، خصوصاً أن عبد المهدي يعد آخر حاكم للعراق من مجلس الحكم الذي شُكل بعد عملية تحرير العراق على يد القوات الأميركية، ويُشكل اختياره آخر فرصة لهذه المنظومة من أجل حفظ ماء وجهها، وفي حال تسببت بإفشاله فإنها تكون قد رسمت نهايتها بنفسها، ففي عراق ما بعد عبد المهدي لن تستطيع هذه القوى السياسية المسلحة التي تحاول ترسيخ فكرة الدويلات داخل الدولة الاستحواذ الكامل على الدولة، ففي اللحظة التي سيضطر عادل عبد المهدي إلى مغادرة موقعه دون إتمام مهمته الصعبة، فإن عراقاً آخر سيتشكل، وستتجه الأنظار هذه المرة نحو ساحات المدن الكبرى أو إلى ثكنات الجيش الذي قد يصبح في نظر العراقيين آخر أمل لعبورهم إلى عراق ما بعد 2003.
فعلى الأرجح أنه في الوقت الذي سيكون عبد المهدي في طريقه إلى مسقط رأسه، سيكون شخص غير مدني يستعد لدخول السلطة، إما عبر ساحة التحرير وإما على ظهر دبابة، ليعلن بداية النهاية لحقبة سياسية قد تعيد مشهد السحل إلى شوارع المدن العراقية.

 

omantoday

GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عادل عبد المهدي والفرصة الأخيرة عادل عبد المهدي والفرصة الأخيرة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 16:53 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab