ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح

 عمان اليوم -

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح

بقلم - إكرام لمعي

من عادة المصريين المبالغة الشديدة فى وصف أى ظاهرة سواء بالإيجاب أو السلب وعليك –عزيزى القارئ – أن تتابع ما يحدث عندما ينجح فنان ما أو لاعب كرة أو ممثل فى لفت نظر المجتمع العالمى.

ماذا فعل محمد صلاح فى إنجلترا؟ يجيب معظم الإعلاميين على اختلاف وسائلهم: « لقد أزاح محمد صلاح تهمة الإرهاب عن الإسلام !! لقد نجح محمد صلاح فى تغيير عقلية الشعب الإنجليزى تجاه العرب والمسلمين!! لقد تحول مشجعو مانشستر يونايتد الغريم الأول لليفربول إلى تشجيع ليفربول بسبب محمد صلاح!! لقد تحول محمد صلاح إلى داعية وسفير للإسلام فى أوروبا!!

كل هذه الاستنتاجات والنتائج التى تحتوى على أحكام قاطعة تحتاج إلى عشرات السنين من التخطيط والتنظيم والإدارة الحديثة من وضع أهداف ووسائل، فعلها محمد صلاح بسرعة البرق. إن ما فشلت فيه المؤسسات الدينية الضخمة فى البلاد العربية مثل الأزهر فى مصر وجامعة الزيتونة فى تونس وإمكانيات السعودية ودول الخليج فى محاولتهم تحسين صورة الإسلام فى الغرب بعد الهجمات الإرهابية بدء من حرب أفغانستان حتى القاعدة وأخيرا داعش نجح فيه محمد صلاح.

والسؤال هو ما الذى فعله محمد صلاح؟ والإجابة كانت هى السجدة التى يقوم بها بعد إحراز الأهداف. إن هؤلاء الذين يطلقون على محمد صلاح «إمام الساجدين» ويقارنون بينه وبين اللاعبين (المسيحيين) ويقدمون دلائل وإثباتات لوجهة نظرهم بأن اللاعبين من ألمانيا وإنجلترا وكل البلدان الأوروبية الأخرى تسبقهم شهرتهم بسبب جنسياتهم وأديانهم لكن المعجزة أنه عندما ينافسهم لاعب له جنسية من العالم الثالث وديانته الإسلام، هذا الأسلوب وهذه المقارنة من المستحيل أن تخطر على بال أى شاب أوروبى على وجه العموم ذلك لأن هذه البلاد صارعت صراعا شديدا ضد المؤسسات الدينية فى القرون الوسطى والتى كانت تحكم البلاد والعباد وتتحكم فى مصائر الملوك والقادة وترفع سيف الدين فى مواجهة الأديان الأخرى وتحارب لنصرته، هذه البلدان أصبحت علمانية بامتياز صار الدين عندهم أمرا فرديا بحتا علاقة لفرد بالله، بل أن تسأل شخصا ما عن دينه ينظر إليك باندهاش لأنه سؤال شخصى من العجيب والغريب والشاذ أن تسأله.
***

إنهم يعيشون عصر الحداثة وما بعد الحداثة بل ما بعد الحقيقة، إنهم يجيدون إتقان العمل والنجاح والتميز وهم يمجدون محمد صلاح لأنه لاعب محترف بكل معنى الكلمة، وقد نجح فى ذلك نجاحا مدويا، إنهم يمجدون الاحترافية فيه، والسؤال الذى يجب أن نواجهه هو لماذا نجح محمد صلاح فيما فشل فيه عشرات من الذين تألقوا فى مصر وفشلوا فى أوروبا؟ ببساطة شديدة لأنهم لم يقدروا على التعامل مع عالم الاحتراف، وإليكم بعض الأمثلة حارس مرمى كان من أفضل حراس مرمى الأهلى والمنتخب المصرى لسنين طويلة احترف فى إنجلترا وكان متدينا تأخر عن التدريب بضع دقائق، وعندما سأله المدرب لماذا تأخرت؟ قال: لابد أن أؤدى الخمس صلوات فى موعدها، وعندما طلب منه مواعيد الصلوات الخمس اكتشف أن بعضها ستكون أثناء التدريب وعندما واجه اللاعب بأن هذا ليس احترافا، قال له اللاعب: هناك أيضا شهر رمضان لابد أن أصومه. فى التدريب التالى تأخر اللاعب بسبب الصلاة وكانت أول طائرة فى انتظاره للعودة إلى بلاده، إن ما فعله ذلك المدرب لم يكن تعصبا لدين ضد دين، بل إن المدرب نفسه لم يكن له دين أصلا فهو علمانى بلا دين، لكنه مدرب محترف، وقد حدث نفس الأمر بطرق مختلفه مع معظم إن لم يكن كل اللاعبين المصريين الذين حاولوا الاحتراف فى أوروبا. وعلى هؤلاء الذين يمجدون فى تدين محمد صلاح عليهم أن يسألوه هل عندما يتعارض موعد الصلاة مع التدريب هل تترك التدريب وتذهب للصلاة؟! وانتظر الإجابة. هذا فضلا عن أن أى طبيب أو مهندس أو حرفى عندما يسافر إلى الخارج مهاجرا ويفشل يرفع راية التعصب الدينى والعنصرية فى الغرب بينما هو فى مصر بلد الالتزام الدينى المبالغ فيه لم يجد وسيلة وهو المتدين للنجاح.

فى نفس الوقت الذى نجح فيه الآلاف من المصريين المتدينين الذين سافروا لأنهم التزموا بعالم الاحتراف أى الجدية فى الدراسة والعمل، بغض النظر عن دينهم ودليلنا على ذلك نجاح مجدى يعقوب وفاروق الباز، بطرس بطرس غالى وأحمد زويل، والعكس صحيح فى مصر اسألوا اللاعبين الأجانب وكيف حاول زملاؤهم فى مصر أن يجعلوهم يغيروا أديانهم بل أحد المدربين المشهورين الذين نجحوا فى مصر نجاحا مذهلا قام أحد نجوم الفريق الذى كان منتميا للإخوان المسلمين بدعوته للإسلام فأربت(طبطب) على ظهره قائلا له: نحن جميعا نعبد الله وهذا المدرب علمانى لا يدين بأى دين ولم يشاهد يدخل أى كنيسة للأجانب أو يقرأ الكتاب المقدس بلغته الأم وبالطبع هم يعتبرون مثل هذه الدعوة اقتحاما للحرية الشخصية ولا يهتمون كثيرا بأمر الدين. ولعلك تذكر صديقى القارئ أمادو فلافيو الذى كان مشهورا جدا مع النادى الأهلى والذى بعد تركه النادى تحدث فى مؤتمر صحفى كيف كان يتم الضغط عليه لكى يترك دينه ولعلى أذكرك بأحمد فيلكس الذى أسلم وأعطوه اسم أحمد ليكون أحمد فيلكس أيضا بعد أن ترك الأهلى ومصر وخرج ليتحدث عن هذه التجربة وقد صرح أنه سايرهم لكى يكسب مالا لا أكثر ولا أقل.
***

كل هذه الأمثلة لماذا أسردها لك – عزيزى القارئ – ليس لأنى ضد الدعوة للإسلام أو أى دعوة لأى دين لكن أريد فقط أن أوضح الاختلاف فى طريقة التفكير نحن نفكر أولا فى الدين من الناحية الشكلية، وبعد الشكل ليس مهما ما يحدث أما هم فلا يهتمون إطلاقا بالشكل لكنهم يهتمون بما ينجزونه على الأرض بغض النظر عن ديانة الشخص الذى أنجز، ودليلى على ذلك ما صرح به العالم الإسلامى الكبير التونسى سعيد ناشيد عندما كتب «الفساد هو أن تعلم علم اليقين وبالأرقام أن المجتمعات الأكثر تدينا فى العالم، هى أيضا الأكثر فسادا فى الإدارة، والأكثر ارتشاءً فى القضاء، والأكثر كذبا فى السياسة، والأكثر هدرا للحقوق، والأكثر تحرشا بالنساء، والأكثر اعتداءا على الأطفال، ثم تقول للناس إن سبب فساد الأخلاق هو نقص الدين! فيا للوقاحة! هذا بالضبط هو الفارق بيننا وبينهم وهم يعرفون جيدا أن بلادنا أكثر فسادا بمراحل عنهم فى كل المجالات وأكثر منهم تدينا ظاهريا (مسيحيون ومسلمون)، ويعرفون أن مصر لم تستطع المشاركة فى كأس العالم منذ عام 1990 بسبب عدم الإتقان وعدم الاحتراف والإهمال رغم تدين معظم المدربين وأعضاء اتحاد الكرة ومعظم أعضاء مجالس إدارات الأندية وهى سمة العالم الثالث كله، ونحن نعلم أيضا أن الأوربيين يصلون إلى كأس العالم فى كل مرة أو غالبا مرة ومرة لأنهم كانوا الأكثر انضباطا والأكثر احترافا والأكثر أخلاقا.
***

تقول أحد الصحف المصرية «إن اللاعب (محمد صلاح) بأخلاقه وديانته أحدث تغييرا جذريا فى سلوك عدد كبير من المواطنين الإنجليز ليصل الأمر إلى كتابة أغنية عن صلاح تتضمن الدين الإسلامى ورغبة الجمهور فى اعتناق الإسلام فى حالة نجح اللاعب فى تسجيل أهداف أكثر وتألق بشكل كبير مع ليفربول!!! تقول كلمات الأغنية مو صلاح إذا سجل المزيد، سأصبح مسلما قريبا... إذا كان يجلس فى المسجد فهذا هو المكان الذى سأتواجد فيه. يقول إمام مسجد فى ليفربول: « كنت مسرورا بمعرفة مشجع أجنبى لمانشستير يونايتد يبلغ من العمر 10 أعوام تحول لتشجيع ليفربول بعدما سمع أغنية محمد صلاح» !!! من أهم ما قيل فى هذا الشأن «إن اللاعب يتعرض لضغوط هائلة فى كل مباراة مع منتخب مصر وسيصبح مطالبا بقيادة الفراعنة لأبعد نقطة فى كأس العالم».

عزيزى القارئ إن الإسلام دين يؤمن به أكثر من مليار من البشر لذلك إن كنا نريد أن يمتد الإسلام إلى أوروبا فهذا لن يحدث من خلال نجوم الكرة أو نجوم الفن أو خلافه، لكن يتم ذلك عندما تتحول الدول التى تدين بالإسلام وخاصة مصر إلى دولة متقدمة قادرة على الإنتاج والتفكير العلمى وتأخذ مكانها ومكانتها بين الدول المتحضرة سياسيا بتطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان واقتصاديا بتحقيق حد أدنى كريم لدخل الفرد، واجتماعيا باحترام المرأة وإعطائها مكانتها المرجوة وبتعليم متطور وبتدين سمح ولنقتدى فى ذلك بماليزيا وإندونيسيا وتونس وسنغافورة ساعتها سوف يحج إلينا شباب العالم طالبا منا أن نعلمه علومنا وحضارتنا وثقافتنا وديننا وغير ذلك إنما هى أضغاث أحلام.

المصدر :جريدة الشروق

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab