الارتباك العالمي الجديد

الارتباك العالمي الجديد

الارتباك العالمي الجديد

 عمان اليوم -

الارتباك العالمي الجديد

بقلم: عبد المنعم سعيد

تعوَّدنا أن يكون الحديث عن «النظام العالمي الجديد» بين فترة وأخرى؛ وفي العادة فإن ما يقال يكون له قدر -زاد أو قلَّ- من الصحة لأن التكنولوجيا خرجت بنا من ثورة صناعية إلى أخرى؛ أو أن قوة عظمى مثل الصين لم يعد هناك شك في عظمتها؛ أو أن العالم قد تغير لأن الجنوب بات مستقلاً؛ أو أن وباءً ألمَّ بالعالم فلم يعد ما بعده مماثلاً لما كان قبله. والحقيقة هي أنه بعد كل ما سبق فإن العالم يتغير كل لحظة مثلما تتغير الدنيا بين النهار والليل؛ وأن يكون هذا التغيير جديداً أو لا فهذه مسألة أخرى يصبح التقدير فيها مثل الجمال الذي تقديره في العيون. ما لا يمكن التوافق عليه بعد هو أن النظام العالمي ليس بالضرورة أن يكون جديداً، أو أنه لا يكون جديداً بالمرة، وإنما يكون مرتبكاً صعب الفهم والقياس، والتغيير فيه ملتهب ومفزع. فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت فترة ارتباك كبرى انتهت إلى مجزرة عالمية استُخدمت فيها القنابل النووية لأول وآخر مرة في التاريخ. الارتباك يحدث عادةً في المراحل الانتقالية التي لا تُحتسب ما بين النظام القديم والآخر الجديد، ولكن الانتقال من مرحلة إلى أخرى لا يكون محسوساً، كما أن قياس التغيير لا يكون دقيقاً؛ وهناك دائماً في الأول والآخر أن الإنسان لديه صفة «الإنكار» للتغيير بصفة عامة، و«الاستكانة» إلى أن التاريخ يعيد نفسه؛ أو أنه دائماً لا يوجد جديد تحت الشمس!

هذه المرة فإن مصدر الارتباك مرصود بقوة؛ ومن الجائز أو تكون بدايته غزو روسيا لأوكرانيا في 2022، حيث انكسرت الحلقة التاريخية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة والتسليم بالنظام العالمي للعولمة. لم يكن كافياً غزو روسيا قبل ذلك لجورجيا في 2008، ثم ضمها إقليم القرم الأوكراني في 2014 للتبشير بأن روسيا عازمة على العودة مرة أخرى إلي مائدة الدول العظمى. لم يكن كافياً أن عدداً من الدول الكبرى التفَّت حول منظومة «بريكس BRICS» لأنها لم تُسفر أكثر من شعار سك عملة عالمية جديدة والدعوة إلى مراجعة منظمة التجارة العالمية في ضم دول أخرى لضمان عالمية الجمع. ولم يكن كافياً أن تركيباً أكثر حدَّة مثل «CRINK» الذي يضم الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وجميعها نووية أو ساعية بجدية لامتلاك السلاح النووي؛ والأهم أنها جميعاً تشكل موضوعاً للعقوبات الأميركية والغربية بشكل أو أخر.

ما جعل الارتباك جلياً هو ألا يكون التغيير قائماً على نشوء محور مضاد فقط، وإنما على ارتباك المحور الذي يقاس عليه الغرب؛ وهو ما نجم قطعياً عن انتخاب دونالد ترمب لقيادة الولايات المتحدة. الارتباك الأعظم يجري داخل أميركا ذاتها ولم يكن ذلك نتيجة اضطراب في العملية الانتخابية ذاتها، بل لعلها كانت الأكثر سلاسة في العقود الأخيرة، ولكن الأهم كان ما نتج عنها من ظهور في عمليات الانتقام. الأخطر الدخول في تحديات دستورية في سوابق غير مسبوقة؛ وبدلاً من توازن السلطات تجري المواجهة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية؛ ويحدث العكس عندما تستسلم السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية نتيجة ولاء الحزب الجمهوري وتسليمه بالسمع والطاعة للرئيس المنتخب؛ ويحدث كل ما هو خطير في ساحة تقليم أظافر الحكومة الفيدرالية ومجمع المؤسسات المستقلة. ورغم أن ذلك يفتح في حد ذاته بوابة الارتباك العظيم، عندما يكون التغيير الجذري جارياً داخل «الوتد» الأساسي للنظام العالمي؛ فإن سلوكياته المرتبكة تجاه العالم لا تقل أهمية: الفاتحة المنهجية إزاء الجيران المباشرين -كندا والمكسيك- وإزاء حلفاء النظام العالمي ما بعد الحرب العالمية وانتهاء الحرب الباردة -الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلنطي- والتخبط الدائم إزاء القوى الأخرى -الصين وروسيا- بين عقد الصفقات وابتزاز المزايا الاستراتيجية، والتأرجح الجاري ما بين رفض الحرب ووعود السلام ثم التدخل العسكري المباشر، يضاف إلى كل ذلك ضعف آلية صنع القرار الاستراتيجي؛ حيث الارتباك في كل ذلك يظهر عندما يجري نقل الأسرار الحربية عبر قنوات المراسلة المفتوحة!

«الارتباك العالمي الجديد» يحيط بالعالم كله، ولكنه في الشرق الأوسط يشمِّر عن سواعده نقلاً للسكان، وبناء «الريفييرا» في غزة... إنها أيام صعبة!

 

omantoday

GMT 20:15 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات كبرى تقرّر مستقبل الشّرق الأوسط

GMT 20:12 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لا تعزية حيث لا عزاء

GMT 20:11 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

GMT 20:10 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

خرافات العوامّ... أمس واليوم

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الارتباك العالمي الجديد الارتباك العالمي الجديد



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 19:02 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 23:46 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 05:15 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

توازن بين حياتك الشخصية والمهنية

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 19:51 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 04:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon