جماهيرنا العربية الفلسطينية تحت هجومين

جماهيرنا العربية الفلسطينية تحت هجومين

جماهيرنا العربية الفلسطينية تحت هجومين

 عمان اليوم -

جماهيرنا العربية الفلسطينية تحت هجومين

إبراهيم عبدالله صرصور
بقلم إبراهيم عبدالله صرصور

من اغرب الظواهر البشرية أن تجد شعبا يعيش تحت الاحتلال ويعاني من التمييز العنصري والقهر القومي على أساس يومي، ثم يصر على الانتحار الذاتي بشكل احترافي لا يكاد يُصدق!  

لن أذهب معكم بعيدا في التحليل والمقدمات.. هذا مجتمعنا العربي الفلسطيني داخل إسرائيل "فلسطينيو 1948" (20% من عدد السكان)، يعاني من كل أشكال الاضطهاد على يد السلطة الإسرائيلية، فلا تكاد تجد جانبا من جوانب الحياة كبيرها وصغيرها، خطيرها وحقيرها، الا ويتعرض الى "نهش" دائم ومستمر ومنهجي يهدف إلى هدم قلاعنا من الداخل، والإبقاء على مجتمعنا خاويا من كل مضمون، فاقدا لكل حُلُم، تائها بلا بوصلة، ضائعا بلا هدف، لا يكاد يلتقط أنفاسه بسبب العدد الهائل من المشكلات الوجودية التي تحرص الحكومات المتعاقبة في إسرائيل على أغراقنا في مستنقعها الآسن..

لكن المؤلم ان هذا الوضع - كما يبدو - ليس كافيا لمجتمعنا حتى يتوحد في وجه ظالميه، وحتى يقوم شامخا في وجه أسباب الضعف التي تنخر في عظامه كالسرطان، وحتى يستجمع طاقاته الإيجابية فينظمها في عقد فريد يمكنه من قلب الطاولة في وجه جلاديه من داخل صفوفه ومن خارجها.. فبدلا من ذلك نرى مجتمعنا مستسلما أمام استفحال ظواهر فتاكة كالعنف والجريمة وضعف المرجعيات والانهيار القيمي والأخلاقي والتفكك الاسري والتناحر الاجتماعي، حتى لكأننا نعيش جاهلية أسوأ من الجاهلية الأولى، وإن بوجه حداثوي وشكل براق لامع!!

هنالك من "المتشائمين" من يعتقد خطأ ان هذا التراجع الخطير في أوضاع مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني "قدرٌ مقدور" لا قبل لنا بمواجهته، ولا حيلة لنا في هزيمته.. هذا في نظري المتواضع محض استسلام لا مبرر له.. الحقائق العلمية تفيد ان الاغلبية الساحقة من مجتمعنا مصنفةٌ على أنها إيجابية وجادة وبناءة، في توجهاتها وفي سلوكها وفي رغبتها الجادة في العيش الكريم بشموخ وكبرياء ديني ووطني، وذلك حسب كل المعايير المعتمدة علميا.. اين المشكلة إذا؟ من الواضح ان الخلل الخطير يكمن في غياب "التنظيم" عن فضاء هذه الأغلبية الساحقة... "التنظيم" القادر على إخراجها من دائرة "السلبية" و "الامبالاة" و "عدم الاكتراث" في التعامل مع واقعها، إلى دائرة الفعل والاهتمام والشعور بالمسؤولية تجاه ما يجري..

يبقى السؤال: هل "تنظيم" الأغلبية الساحقة الإيجابية، واستنهاض هِمَمِها، واستخراج طاقاتها الكامنة وتفعليها في الاتجاه الصحيح لمواجهة تحديات الداخل والخارج، مهمة مستحيلة.. الجواب: ليست هذه مهمة مستحيلة أبدا، إذا توفرت الإرادة وصَدَقَ العزم، وتكاتفت الجهود، وخرج المبادرون عن صمتهم، وتحرر القادة المجتمعيون من اغلال سلبيتهم أو حتى "انانيتهم"..!!

مثل هذا - مع الأسف - يُقال أيضا في حق شعبنا الفلسطيني الذي يعيش منذ نكبته وحتى اليوم تحت نِير واحد من أبشع أنواع الاستعمار والاحتلال "الإحلالي" الذي يسعى ليلا ونهارا، سرا وجهارا، لاغتيال الحُلُم الفلسطيني في الاستقلال والعودة وكنس الاحتلال، لمصلحة المشروع الصهيوني.. كفاح الشعب الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني لم يتوقف منذ النكبة وحتى الآن، وقدم في سبيل ذلك ما قدم من تضحيات لا مثيل لها في نضالات الشعوب التواقه الى الحرية..

إلا ان التحديات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي - مع الأسف - ما كانت كافية ليتخلص الشعب الفلسطيني من كل ازماته الداخلية "المفتعلة" كالانقسام وغياب الوحدة الوطنية والقيادة الموحدة، والاستراتيجية الكفاحية الواحدة، واستمرار الصراع الفصائلي، وما سببه هذا الوضع من تردٍّ في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعنوية لمجمل الشعب الفلسطيني، الأمر الذي أدى بدوره إلى تسهيل مهمة الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ مخططاته لانهاء القضية الفلسطينية وشطب رقمها من على أجندة الاهتمام الدولي..

عند كل الأمم التي تحترم نفسها، تدفع التحديات والمخاطر الخارجية الى وحدة الصف، وتوحيد الجهود، والتخلص من الأزمات الداخلية، وتطهير المجتمع من كل آفاته الاجتماعية، حتى يكون قادرا على هزيمة اعدائه ومغتصبي حقوقه! لماذا لا يحدث هذا في حالتنا الفلسطينية، سواء داخل الخط الأخضر (إسرائيل)، او في سائر أرجاء فلسطين المحتلة؟! سؤال محير، رغم وضوح الإجابة عليه!!

(1)

هذا الأسبوع احيى شعبنا الفلسطيني في الداخل الذكرى ال -14 لمجزرة شفاعمرو، ليعود الينا الكابوس الذي لا يرفض ان يفارقنا.. لا أمْنَ ولا أمان، هكذا كان حالنا دائما منذ النكبة، مرورا بمجزرة كفر قاسم (29.10.1956)، ومذبحة يوم الارض (30.3.1976)، ومجزرة هبة القدس والاقصى (10.2000)، ومذبحة شفاعمرو (4.8.2005) وليس انتهاء بما وقع من ضحايا عرب أبرياء على أيدي أجهزة الأمن والشرطة الإسرائيلية ما بين هذه المحطات وبعدها وحتى اليوم. هذا بالإضافة الى المذابح التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع والقدس المحتلة..

 لم نشعر بالأمن يوماً ولم نذق له طعماً، فنحن نشعر بالتهديد الحقيقي وبشكل مستمر. فعلى المستوى السياسي ما زالت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والأحزاب على اختلاف أشكالها وألوانها، والنخب الآكاديمية إلا ما ندر، والصحافة بوجه عام، والأجهزة الأمنية والشرطية، إضافة إلى المزاج العام اليهودي (الإسرائيلي)، ما زالوا يرون في الأقلية القومية الفلسطينية في الدولة تهديدا استراتيجيا.

أما على مستوى الأمن الشخصي فقد جاءت الاعتداءات على مواطنين عرب في أكثر من مكان وبالذات في المدن اليهودية، إضافة إلى عشرات حالات القتل التي تعرض لها شباب عرب على أيدي عناصر الشرطة والأمن، تشعرنا دائما بأن هنالك مئات الارهابيين اليهود (رسميين وغير رسميين) ما زالوا يتحركون احراراً، لا ندري متى سيكون هجومهم التالي ولا اين!!!

(2)

سنظل نشعر بالخطر ما لم تتخذ اسرائيل من الاجراءات الرادعة والعملية والفعالة على المستويات السياسية والقانونية والتنفيذية، ما يُبْطِلُ خطر الارهاب اليهودي الرسمي وغير الرسمي من جهة، وينهي حالة التمييز والظلم التاريخي الذي يشكل البيئة لتفريخ مشاعر الكراهية والحقد والعنصرية ضدنا، ويُطَمْئِنُ جماهيرنا العربية على دمائهم وحقوقهم وحياتهم من جهة أخرى..

طالبنا الحكومات الإسرائيلية وعلى مدار السنوات، بتنفيذ عدد من الاجراءات الفورية، أولها الاعلان عن انتهاء حقبة التمييز العنصري ضد الجماهير العربية، والذي يتضمن الاعتراف الرسمي بوجود هذا التمييز وضرورة العمل على إنهائه ، وثانيها اعتبار أي هجوم أو عدوان على عرب سواء جاء الهجوم من جهات رسمية أو غيرها، عملا ارهابيا ، والعمل الجدي على عدم تكراره، والاعتراف الرسمي والقانوني بضحايا الارهاب اليهودي من العرب واسرهم كضحايا ارهاب مع كل ما يترتب على  ذلك من حقوق ، والاعلان عن منظمات العنف والكراهية اليهودية كمنظمات ارهابية فوق كونها غير قانونية، والعمل على تفكيك بناها التحتية والتسليحية والعسكرية، ووقف اعمال التحريض على الوسط العربي وقيادته، والتنفيذ الفوري لتوصيات لجنة اور بشأن ضحايا الارهاب السلطوي في احداث تشرين اول 2000.

إن تجاهل الحكومات المتعاقبة لتوصيات ( لجنة اور ) ، والتي أشارت - من جهة - لخلفية أعمال القتل التي ارتكبها عناصر الشرطة والأمن في تشرين أول 2000 ، والتي تحددت كما جاء في التقرير في ثقافة الكراهية للعرب ، وثقافة الكذب في كل ما له علاقة بالانتهاكات ضدهم ، والتي تَرَبَّتْ عليها هذه العناصر وعلى مدى عقود ، وتجاهلها أيضا لدعوة هذه اللجنة من جهة أخرى، إلى محاكمة ضباطٍ وجنودٍ في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وصلت اللجنة إلى قناعة تامة بضلوعهم بمقتل ثلاثة عشر شابا عربيا بدم بارد ودونما سبب ، وقرار مكتب التحقيقات مع الشرطة في وزارة العدل (ماحاش) إغلاق جميع الملفات لعدم توافر الأدلة، لتشير كلها إلى أننا كجماهير عربية مطالبون بالنظر الجذري في شكل تعاطينا مع الأحداث، وفي طبيعة العلاقة مع الدولة بما يضمن وجودنا وأمننا وحقوقنا...

(3)

نحن مقبلون في الأشهر القريبة القادمة على انتخابات برلمانية جديدة، وها نحن نتابع التطورات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، والتي تشير كلها إلى سعي حكومة نتنياهو الى استثمار أجواء الانتخابات من اجل تحقيق بعض النقاط وتحسين أوضاعها في استطلاعات الرأي العام، تمهيدا للاستمرار في إدارة شؤون الدولة في المرحلة المقبلة ...

تغول سياسات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقدس المحتلة، واستفزازاتها في قطاع غزة، وعملياتها في سوريا ولبنان، وتحريضها الدائم والمستمر للمجتمع الدولي ضد ايران والشعب الفلسطيني وقيادته، وتشديد قبضتها الاحتلالية ضد الشعب الفلسطيني برمته، وانتهاكها الصارخ لاتفاق صفقة شاليط وإعادة اعتقال اكثر من ستين محررا وإعادة تفعيل الاحكام ضدهم ومنها احكام بالسجن المؤبد، كل ذلك يشير بوضوح الى ان إسرائيل ماضية في سياساتها العنصرية والتصعيدية، ولن تكف عنها الا اذا رأت موقفا دوليا قويا، يردعها ويوقفها عند حدها، الأمر الذي لا نتوقع انه سيحدث في المدى المنظور على لأقل ..

في مواجهة كل الجرائم الإسرائيلية علينا ان نُعِدَّ الردَّ المناسب والمتاح بلا تهويل او تهوين وبلا افراط او تفريط .... انجاز مشروع القائمة العربية المشتركة، والعمل على تحويلها من "توليفة سياسية" الى "مشروع وطني" تجد فيه كل االقوى والشخصيات الوازنة في مجتمعنا العربي وليس فقط الأحزاب الأربعة (الإسلامية، الشيوعي، التجمع الوطني والتغيير)، بيتها الدافئ، انتخاب رئيس وهئيات لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، إعادة ترتيب اوراقنا النضالية على ضوء التطورات الأخيرة، تحديد استراتيجيات المواجهة مع عنصرية إسرائيل، وتفعيل كل إمكانات المجتمع العربي، هي الأولويات التي يجب التأكيد عليها في هذه المرحلة ....

هذا ما تتوقعه منا جماهيرنا العربية الفلسطينية، وهذا ما يجب ان يكون، والا فلا شرعية لأحد، ولا مشروعية لوجود أحد..

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جماهيرنا العربية الفلسطينية تحت هجومين جماهيرنا العربية الفلسطينية تحت هجومين



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab