صائدو السلطة

صائدو السلطة

صائدو السلطة

 عمان اليوم -

صائدو السلطة

بقلم : عبد الرحمن شلقم

البيئة الطبيعية والاجتماعية، تبدع سلوك أهلها. يأخذون منها ويهبون لها، فتكون الحياة.

في بعض أدغال القارة الأفريقية، هناك فن للصيد به قوة الجرأة المتناهية، لكنه يحتاج إلى دربة طويلة. الأسد أو النمر أو أي حيوان آخر مفترس، يتربص بطريدته منبطحا وسط الأعشاب الكثيفة، يتنفس بذكاء ويحرك كل حواسه بحذر خاص. يقفز فوق الغزال أو الثور أو حمار الوحش. بعد صراع لا يستغرق وقتا، ينشب الكائن القوي المفترس، أنيابه الرهيبة في رقبة الضحية ويطرحه أرضا. عندئذ تبدأ المعركة الثانية. معركة بين الإنسان المسلح بالسيف والسهم والدرع. يهاجم الأسد أو النمر المفترس الذي يعتلي جثة المقتول. يهاجم الرجل المسلح ملك الغابة أو وزيرها، أو سمه ما شئت. بعد عراك لا يطول، يقوم الرجل بغرس سيفه أو سهمه في جسد المفترس الذي يعترف بالهزيمة ويلوذ بالفرار، ويفوز بالغنيمة الجسور. معركة من نوع آخر بين الفائز بالفريسة، ومفترس آخر. بين الأسد وقطيع الضباع الذي لا قدرة له على افتراس الحيوانات الضخمة. يتربص قطيع الضباع في وسط الأدغال، مراقبا ما يقنصه أسد أو نمر أو غيرهما. بعد أن يسيطر المفترس على فريسته، يندفع قطيع الضباع، ويشرع في مشاغلة الكبير المفترس، الذي يصير الدفاع عن نفسه، هو الذي يتفوق على الدفاع عن طعامه، وتكون النجاة بجلده هي الغنيمة. تلك هي دائرة القوة التي تتحرك فيها الحياة في تلك البقاع.

في الدول الهشة، تكون السلطة هي الطريدة التي يلاحقها الأقوياء، وهي الغنيمة التي يحلم بها من يمتلك السلاح، وهو ما يسمى الجيش. يتربص المغامرون وهم في ثكناتهم أو مكاتبهم، كما تتربص الحيوانات الكبيرة المفترسة وسط السافانا أو الأعشاب، وتكتم أنفاسها، استعدادا للهجوم على الطريدة الغنيمة (السلطة) في الظلام. بعضهم يأخذ بتكتيك الرجل الذي يهاجم الأسد ليفتك منه ما اعتلى عليه من الحيوانات، وآخرون يكونون الضباع، (الجنرال المبدع لتكتيك معركة الاستيلاء على الغنيمة). الانقلابات التي تقوم بها جيوش لا تحارب إلا بني أوطانها، وتتحول إلى قطعان ضباع، تتعارك على الغنيمة الفريسة، وتمتد سلسلة القتال على ما تم الاستيلاء عليه. كيف تتحول السلطة إلى طريدة تلاحقها أحلام من يمتلك السلاح؟ هؤلاء هم فصيلة ناطقة من الضباع التي تدربت في أدغال مظلمة، لا يمكن أن تنتمي إلى التكوينات نفسها التي يطلق عليها اسم الجيش في الدول المتحضرة، التي يخضع كبار جنرالاتها لقوة الشريعة المترسخة في أوطانهم. حيث تكون المهمة الأساسية للجيوش، هي الذود عن أمن الأوطان وحماية أراضيها.

عندما تكون السلطة مجرد غنيمة، أو بالأحرى طريدة، يتحرك الصائدون للاستيلاء عليها في الظلام كما تفعل الضباع، تصير الأوطان، غابة مظلمة تتسيد فيها الوحوش الكاسرة. هذه حقيقة تكتبها، بل تقرأها لنا حقائق نعيشها اليوم. أينما نجح صائدو السلطة في كل القارات، يحول الناس والأوطان إلى فرائس، تتمدد جثثها على امتداد البلدان، ويتعملق القهر والفقر والجهل والعنف والتخلف. تتحول الأوطان إلى جثث لا حياة فيها ولا حراك. لقد حققت الدول الأوروبية نهضتها العظيمة، بعد أن صارت الشريعة هي الكائن الأقوى، لا يفكر من بيده البنادق والمدافع والصواريخ والطائرات المقاتلة في الاقتراب منها. ما لم تتسيد الشرعية والقانون، فالوطن يتحول إلى أدغال مظلمة يتقافز فيها صائدو السلطة بسلاحهم على الأرض والناس. أمم تمتلك أعظم المقدرات تحت تراب أوطانها تعيش تحت خطوط البؤس والفقر والمرض، في حين تتمتع شعوب ليس تحت ترابها خامات، ولا ثروات، بفضل قوة شرعيتها التي يقدسها الجميع ويدافعون عنها وفي مقدمتهم من بيده السلاح الذي هو ملك لشعوبها، بدنيا الرفاهية، وتعيش فرحة الحياة. صائدو السلطة أينما كانوا، ليسوا سوى عصابات تتآمر في الظلام مثلما تتآمر عصابات الإجرام، التي تداهم البنوك، وتخطف الأبرياء. الفساد كتيبة من صائدي السلطة، لا يتورع تجمعها عن أسوأ الأفعال من أجل المال. عقلية الغابة قد توجد حيث ترتفع العمارات وتمتد الطرق الحديثة، وتوجد الجامعات. صائدو السلطة، هم تؤام صائدي المال. بعض البلدان الأفريقية تعيش اليوم في محن مركبة، تتوالد وتتسع ولا يمكن التنبؤ بمآلاتها. شباب هذه البلدان يهرب إلى دوائر الموت عبر الصحراء الكبرى وماء البحر الأبيض المتوسط، وتحت تراب أوطانهم ثروات لا حدود لها. صائدو السلطة، يحولون أبناء أوطانهم طرائد يلاحقها الجوع والخوف واليأس. خط الفقر، كلمة لا يعرفها كثير من الشعوب، لأن هناك خطوطا أخرى ترسم طرق الحياة، يمشي فوقها الجميع نحو الازدهار. لا توجد في هذه الأوطان جماعات من الضباع، تترصد ما في أوطانهم من مقدرات يقفزون عليها عبر اصطياد السلطة.

الانقلابات العسكرية، من علامات التخلف، وهي الفيروس الأخطر الذي يخلقه دون توقف. لقد شُفيت قارة أميركا الجنوبية إلى حد كبير من هذا الوباء الرهيب، وفي القارة الآسيوية تراجع أيضا وبشكل كبير. عن أوروبا لا نتحدث، فقد بلغت شعوبها سن الرشد الخاص، بعد أن تحولت إلى منبع الفكر والإبداع والعلم والصناعة، وصارت الشرعية مقدسة لا يقترب منها مغامر أو صائد ليل، لينهب الناس والوطن، ويحولهم فريسة، يغرس في رقبتها أنيابه، وينهش لحمها.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صائدو السلطة صائدو السلطة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab