ذكورة وأنوثة

ذكورة وأنوثة!

ذكورة وأنوثة!

 عمان اليوم -

ذكورة وأنوثة

بقلم : محمد الرميحي

الأسبوع الماضي كان أسبوع المرأة، واحتفلت وسائل الإعلام العربية بكل فروعها بتلك المناسبة. طبعاً كان الاحتفال أيضاً على مستوى العالم، ما يعنيني هو الفضاء الثقافي العربي وعلاقته بالمرأة ونظرته إليها.

المرأة العربية تعيش في أجواء ذكورية بالمعنى العام، استمعت إلى إحداهن تتحدث في محطة إذاعة عربية دولية، فتقول إن جمال المرأة في خمارها، وبخاصة الأسود! ثم تردف: "ألم تسمع الشعر الجميل الذي يقول: قل للمليحة في الخمار الأسود .... ماذا فعلت بزاهد متعبد"! إلى آخر القصيدة!!

فوجئت بهذا الرأي من امرأة مثقفة، فقصة الخمار الأسود معروفة، فقد جاء تاجر إلى المدينة بأنواع مختلفة من الأخمرة معظمها ملونة، من بينها الأسود، فأقبلت نساء المدينة على الأخمرة الملونة، ولم يبع التاجر من اللون الأسود إلا القليل، فاستأجر شاعراً لترويج بضاعته، كما يستأجر التجار اليوم (فشنستات) لترويج بضاعتهم! فقال ذلك الشاعر تلك الأبيات للإشهار لا غير متخيلاً الموقف، فلا وضوء ولا مسجد ولا أي من الصور الجميلة التي رسمها ذلك الشاعر، ولكن الغرض تحقق، فقد أقبلت النساء وقتها على شراء الخمار الأسود، القضية مجرد تسويق!

كثير من قصص المرأة العربية ذكوري وتراثي في آن، فالتراث مثلاً لم يفرض شكلاً معيناً من اللباس للمرأة، لقد لبست المرأة العربية، على مر العصور، والرجل مثلها أيضاً، ما هو سائد في بيئتها وبيئته، وأي رابط بين التراث والملابس، هو رابط تعسفي يحض الرجال أو بعضهم عليه لأسباب خاصة بهم وليس بالمرأة، ومن الأخطاء الكبرى التي ما زالت ترتكب قرن الملابس أو الشكل الخارجي بالعفة، وهذا أيضاً فرض ذكوري، فليس للشكل الخارجي أو الملابس علاقة بالعفة، والأخيرة تنبع من التعليم والثقة بالنفس والتربية ولا ترتبط بالملابس الخارجية.

قامت المرأة العربية أيضاً على مر الزمن بالعمل إلى جانب الرجل، أو حتى منفردة، سواء خارج المنزل كالعمل بالفلاحة، أم داخل المنزل، فالعمل حق من حقوقها كإنسانة.
في موضوع الحقوق خسرت المرأة العربية في زمن التراجع الكثير من حقوقها، والمؤسف أن تلك الخسارة قبلها قطاع واسع من النساء، على أنها حقيقة يجب التعايش معها.

في الذهن الجمعي العربي الرجولي أن المرأة بالضرورة ناقصة، وأنه يجب حمايتها، ليس من الآخرين فقط، ولكن من نفسها!! وأقرب وصف لتلك الفتاة التي تطالب بحقوقها قولهم إنها "مسترجلة" كوصمة عار وتهميش.

في بعض بلداننا كانت هناك محاولات لإدماج المرأة في السلك الشرطي أو العسكري، إلا أن تياراً فكرياً قوياً ناهض ذلك التوجه، فتراجعت السلطات كما حدث في الكويت (بخاصة في السلك العسكري) أخيراً. بلدان أخرى مثل عُمان والمملكة العربية السعودية خطت تلك الخطوة وأصبحت المرأة في سلك القوات المسلحة، وذلك بطبيعة الحال أمر يُحمد.

ورغم أن الدساتير الحديثة في الدول تنص على كفالة الحرية والمساواة بين المواطنين من دون تفرقة، إلا أنها على أرض الواقع تقيدها بقوانين تفرغها من فلسفتها وغرضها.

أمام المرأة العربية لتنال حقوقها الإنسانية والقانونية كاملة أشواط طويلة، إلا أن المطلوب هو تغيير المنهج، وحتى الآن المنهج في تمكين المرأة وإدماجها هو منهج ذكوري بامتياز، أي المفاضلة بين نساء ورجال، وحرب بين بعض شرائحهم تحت غطاء تراثي أو اجتماعي أو اقتصادي، فيما المطلوب منهج يتصف بالتعامل مع المرأة كإنسانة، مثل الرجل كإنسان.

والإنسان له متطلباته الحياتية والمعيشية والثقافية، وهي شيء واحد للذكر والأنثى، ولكن تجد البعض مثلاً في موقفه من شريعة حقوق الإنسان العالمية يتحفظ، بل ويرفض علناً أن تنطبق تلك النصوص العامة على النساء، كمثل حق الزواج أو حق الانفصال أو الزواج من مخالف في العقيدة! في الوقت الذي يسمح الرجل لنفسه بفعل ذلك!

تعاني المرأة العربية، رغم تخصيص يوم عالمي لها، دونية، في بعض البيئات ظاهرة وفي بعضها مبطنة، وليس شعار تمكين المرأة إلا شعاراً تسكينياً فقط، فحتى الساعة العلة في الثقافة السائدة، وهي ثقافة ذكورية تخضع المرأة لمقتضياتها بوعي أو من دون وعي، والثقافة لا يمكن تغييرها بقانون أو تشريع، فما زال البعض يفصل البنين عن البنات في التعليم، بل ويفاخر في الدفاع عن ذلك نتيجة ثقافة راسخة لديه، وما زال البعض يعتبر عمل المرأة في الفضاء العام مكروهاً، بل وصل الأمر ببعضهم ممن يصف نفسه بأنه من طائفة "الدعاة" أن حرّم على المرأة لبس البنطال! ولن أستغرب إن قام مثل هؤلاء بتحريم التعليم أو العمل، فمثلهم كما يشهد العالم في إيران حيث تسميم البنات في المدارس دليل إلى الخطر الذي تستشعره الجماعات المتزمتة في تعليم البنات، فقد سُممت نحو تسعمئة طالبة تخويفاً للأخريات. أما في أفغانستان فتُحرم النساء من التعليم والعمل ويقوم النظام بذلك أمام العالم كله، إلحاقاً كما يدّعي بالدين والأخير منه براء، إنها شعوذة تدفع المرأة فيها أغلى الأثمان وهي نصف المجتمع وأم الأجيال، فأي نوع من الأجيال ننتظر؟

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكورة وأنوثة ذكورة وأنوثة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:26 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في برجك يمدك بكل الطاقة وتسحر قلوبمن حولك

GMT 16:53 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab